Sunday, May 24, 2020

صفة قراءة الرسول

صفة قراءة الرسول والأدلة عليها

ملاحظة: هذا المقال يعيد بناء قراءة الرسول بما لا يتصادم مع وصف علماء العربية للغة قريش. هناك إعادة بناء أخرى للغة القرآن يتبناها بعض الباحثين المعاصرين وتُسمى "الحجازية القديمة" وهي تضم الخصائص التي أذكرها في هذا البحث ولكن يُضاف عليها غياب التنوين وغياب الحركات الإعرابية إلا في حال الإضافة. سأتحدث عن هذه الحجازية القديمة في مقال آخر. 


في القرن الرابع الهجري حصر ابن مجاهد القراءات المعتمدة بسبع قراءات، وفي القرن التاسع الهجري جاء ابن الجزري وأضاف ثلاث قراءات على السبعة فصار لدينا عشر قراءات لكل قراءة روايتان، ومنذ ذلك الحين والمسلمون يحصرون الكيفية التي يقرأون بها القرآن يحصرونها بهذه القراءات حيث يقرأ أغلب المسلمين اليوم القرآن بقراءة حفص عن عاصم، في حين أن أهل المغرب العربي يقرأون القرآن بقراءة ورش عن نافع، والمشكلة في هذه  القراءات العشر أنه لا قراءة منها تحقق صفات قراءة الرسول والتي كانت على لغة قريش، وهكذا فإن التعصب لهذه القراءات يمنع المسلمين من قراءة القرآن كما قرأه الرسول.
لذلك فإنني أدعو إلى قراءة القرآن على الكيفية التالية:
- تسهيل الهمزة مطلقاً إلا إذا كانت في أول الكلام (الابتداء)، وهذه من أهم خصائص لغة قريش.
- ضم هاء الغائب مطلقاً فتقول: بهو وعليهو وعليهُم، وهذه من خصائص لغة قريش.
- عدم العمل بمعظم قواعد التجويد باستثناء الإدغام والإقلاب ولكن بدون المبالغة في الغنة.
- نطق الضاد ظاءً.
- نطق الألفات في الكلمات التالية بالتفخيم لأنها كُتبت في المصحف بالواو، والمراد بالتفخيم أن تنحو بالألف نحو الواو فيصبح النطق شبيها بحرف O الإنجليزي: الصلاة ، الزكاة، الحياة، الربا، بالغداة، كمشكاة، النجاة، مناة.



إليك الأدلة على غياب الهمز في قراءة الرسول.

الدليل الأول: إجماع كتب اللغة على أن قريشا لا تهمز

جاء في كتاب لغة قريش لمختار الغوث ما يلي:
((ولصعوبة الهمزة مال بعض اللغات العربية القديمة إلى تسهيلها، وكانت لغة قريش أشهرَها تسهيلا إذ تتفق المصادر القديمة على أنها كانت لا تهمز.)) ص39
أما في الشعر فكان القرشيون يستخدمون الهمز وذلك بسبب أوزان الشعر التي تتطلب إيقاعا معينا. (المصدر السابق)
إذا قريش كانت لا تهمز في كلامها، أما أهل تحقيق الهمز، أي نطقها، فهم قبائل وسط وشرق الجزيرة العربية.
لا داعٍ للتوسع الآن في عرض المصادر على عدم نطق قريش للهمزة لأن الكثير من المصادر ستمر علينا في هذه الرسالة.


الدليل الثاني على غياب الهمز في القرآن: الفواصل القرآنية.
تنزيها للقرآن عن الشعر فإن نهايات الآيات لا تُسمى بالقافية ولا بالسجع بل تُسمى بالفواصل. الفواصل القرآنية تثبت أن القرآن قد نزل بغير همز، لأنه في بعض المواضع فإن قراءة الآيات بالهمز يُخِلّ بالفواصل، ولكن حين تقرأ نفس الآيات من دون همز تجد أن الفواصل قد صارت متناغمة. وإليك هذه الأمثلة التي عثرت عليها (ولست أنا الوحيد في اكتشافها فقد أشار لبعض هذه الأمثلة غانم قدوري في كتابه "رسم المصحف" وكذلك الباحث اللغوي فان بوتن في بحث له عن الهمزة في القرآن) :

المثال الأول:
الفاصلة في سورة الرحمن هي "آن": الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ

الآن لننظر إلى هذه الآيات :
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30)

نجد أن أواخر الآيات السابقة هي: تكذبان، شأن، تكذبان
كلمة شأن بدون همز تصبح: شان، وبذلك نهايات الآيات تصبح: تكذبان، شان، تكذبان. لاحظ كيف أن إزالة الهمزة قد جعل كلمة شأن متناغمة مع نهايات الآيات الأخرى.
استمع للآيات السابقة بقراءة أبي جعفر المدني وهي من القراءات العشر التي يجمع العلماء على قبولها، وهذه القراءة تخفف الهمز في كثير من المواضع، وهذا من بقايا القراءة الأصلية التي كان عليها القرآن. وهذه القراءة تقرأ "شأن" بلا همز. استمع ولاحظ كيف أن الفواصل قد تناغمت.





المثال الثاني:
الفاصلة في سورة مريم هي ياء مشددة وألف:
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)
 الآن فلننظر للآية التاسعة: قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9)
أواخر الآيات من 8 إلى 10 هي: عِتِيّا، شيئا، سويا.
لاحظ أن كلمة شيئا أقل تناغما من نهايات الآيات الأخرى. الآن لنستمع للآية بقراءة حمزة التي فيها بقايا من تخفيف الهمز الذي كان في القراءة الأصلية للقرآن:



هل لاحظت كيف أن كلمة "شيئا" بتخفيف الهمز تصبح "شيّا"؟ وهذا يجعلها متناغمة بشكل تام مع الفواصل الأخرى في السورة. لذلك هناك ثلاث آيات أخرى في سورة مريم تنتهي بكلمة شيئا: 42، 60، 67.



المثال الثالث:
الآية السابعة والأربعون من سورة مريم نجدها تنتهي بـ "رئيا" في حين أن أواخر الآيات السابقة هي: مقضيا، جثيا، نديا.
الآن لنستمع لكلمة "رئيا" بقراءة حمزة.



وهكذا نرى كيف أن كلمة "رئيا" بتخفيف الهمز تصبح "رِيّا" وهكذا تتناغم بشكل كامل مع أواخر الآيات السابقة.

المثال الرابع
من سورة العلق:
كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)
ركز على كلمة "خاطئة" واستمع لتلاوة الآيات على قراءة أبي جعفر المدني.


إذا كلمة "خاطئة" بتخفيف الهمز تصبح "خاطية" وبهذا تتناغم بشكل تام مع فواصل الآيات الأخرى.
نفس الحالة مع نفس الكلمة تكررت في الآية التاسعة من سورة الحاقة والتي تنتهي بكلمة "بالخاطئة":
فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10)



استمع لتلاوة هذه الآيات بقراءة أبي جعفر المدني:



مثال خامس من الحديث النبوي:
وجدت في الحديث النبوي مثالين على غياب الهمز، الأول في دعاء الرقية في صحيح البخاري، وأول هذا الدعاء: اللهم رب الناس، مُذهب الباس. فهذا الدعاء لو قرأته بالهمز يصبح: اللهم رب الناس مذهب البأس. فيذهب بذلك التناغم بين كلمة الناس والباس.
نص الحديث:

5742 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَثَابِتٌ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، اشْتَكَيْتُ، فَقَالَ أَنَسٌ: أَلاَ أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ البَاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا»

الثاني:

اللَّهُمَّ هَبْ لِي قَلْبًا ‌تَقِيًّا ‌نَقِيًّا مِنَ الشَّرِّ بَرِيئا لَا كَافِرًا وَلَا شَقِيًّا. (الدعوات الكبير للبيهقي)

من دون همز تتحول "بريئا" إلى "بريّا" فتتناغم بذلك مع "نقيّا" و "شقيّا". 

 




الدليل الثالث على غياب الهمز في قراءة الرسول هو رسم المصحف

من أصعب الأمور في الإملاء العربي كتابة الهمزة، فيخطئ فيها أكثر الناس حيث أن للهمزة قواعد معقدة فتارة تُكتب على ياء (ذئب)، وتارة تكتب على واو (مؤمن)، وتارة تكتب على ألف (رأس)، وتارة تكتب على السطر (جزء). في حديثنا عن رسم المصحف ستكتشف ما الذي جعل كتابة الهمزة بهذه الصعوبة. فتابع معي.
في خلافة عثمان بن عفان كان الصحابي حذيفة بن اليمان يشارك في فتوحات أرمينيا وأذربيجان، وكان أهل الشام والعراق يشاركون في هذه الفتوحات، فلاحظ حذيفة حصول خلافات بين أهل الشام والعراق على قراءة القرآن، فلما رجع حذيفة إلى المدينة قال لعثمان: "أدرِكْ هذِهِ الأمَّةَ قبلَ أن يختلِفوا في الكتابِ كما اختلفتِ اليَهودُ والنَّصارَى" (صحيح البخاري حديث رقم 4987)، فطلب عثمان من أم المؤمنين حفصة طلب منها أن تعطيه المصحف لكي ينسخه إلى نسخ يرسلها إلى الأمصار المختلفة، وهذا المصحف الذي عند حفصة هو المصحف الذي جمعه زيد بن ثابت  بعد وفاة الرسول، فأخذ عثمان المصحف من حفصة، وشكل لجنة مكونة من زيد بن ثابت وثلاثة قرشيين، وقال للقرشيين: ((ما اختلفتُمْ فيهِ أنتُمْ وزيدُ بنُ ثابتٍ فاكتبوهُ بلسانِ قُرَيْشٍ ، فإنَّما نزلَ بلِسانِهِم)).
فلما انتهوا من كتابة النسخ أعاد عثمان المصحف إلى حفصة وأرسل النسخ التي نسخوها إلى الأمصار المختلفة، واحتفظ عثمان بنسخة خاصة لنفسه. (صحيح البخاري حديث رقم4987 برنامج المكتبة الشاملة)

 هذه النسخ تُسمى بالمصاحف العثمانية، ومصطلح رسم المصحف، نعني به شكل الخط الذي كتبت به هذه المصاحف حيث كانت خالية من التنقيط والتشكيل وفيها بعض الظواهر الأخرى التي تختلف عن الكتابة التي نكتب بها اليوم.
ولأن نساخ المصاحف العثمانية هم قرشيون لا ينطقون الهمزة – وكذلك زيد بن ثابت فأهل المدينة لم ينقطوا الهمزة أيضا - ،  فهم لم يكتبوا الهمزات في المصاحف؛ فحين أرادوا أن يكتبوا كلمة مثل "مؤمن" فهم كتبوها "مومن" كتبوها بالواو لأنهم هكذا كانوا ينطقون الكلمة، وحين أرادوا كتابة كلمة "خاطئة" كتبوها "خاطية" لأنهم هكذا ينطقون الكلمة بالياء، وحين أرادوا كتابة كلمة "ملائكة" كتبوا الهمزة بالياء لأنهم ينطقون الهمزة هنا بالتسهيل فتُنطق بين بين - هاء ضعيفة - فتصبح شبيهة بالياء، ولو أرادوا أن يكتبوا الهمزة لاستطاعوا أن يفعلوا ذلك لأنه كان عندهم وقتها حرف يدل على الهمزة وهو حرف الألف، يقول ابن جني وهو من أئمة اللغة:
((اعلم أن الألف التي في أول حروف المعجم هي صورة الهمزة، وإنما كتبت الهمزة واوا مرة وياء أخرى على مذهب أهل الحجاز في التخفيف، ولو أريد تحقيقها البتة(يعني ان تنطق الهمزة دائما) ، لوجب أن تكتب ألفا على كل حال...وعلى هذا وجدت في بعض المصاحف: "يَسْتَهْزِأُون" بالألف قبل الواو.)) (سر صناعة الإعراب لابن جني باب أسماء الحروف ص 55 المكتبة الشاملة)
 وطبعا كلمة يستهزئون من المفترض أن تكون مكتوبة بالياء، ولكن لأن من كتب المصحف الذي رآه ابن جني ينطق الهمزات في لغته فقد كتب الكلمة بالألف دلالة على نطق الهمزة.
انظر الجدول:




إذاً المصاحف العثمانية كُتبت على تسهيل الهمز، ويؤكد ذلك أبو عمرو الداني، وهو الذي كتبه منها أُخذ هجاء مصحف المدينة المنورة الشائع اليوم. (انظر في آخر المصحف تحت عنوان "رواية هذا المصحف").
يقول الداني: ((أكثر الرَّسْم ورد على التَّخْفِيف وَالسَّبَب فِي ذَلِك كَونه لُغَة الَّذين ولوا نسخ الْمَصَاحِف زمن عُثْمَان رَحمَه الله وهم قُرَيْش وعَلى لغتهم اقرت الْكِتَابَة حِين وَقع الْخلاف بَينهم وَبَين الانصار فِيهَا على مَا ورد فِي الْخَبَر الثَّابِت الْمَذْكُور فَلذَلِك ورد تَصْوِير اكثر الْهَمْز على التسهيل اذ هُوَ المستقر فِي طباعهم والجاري على السنتهم)). (المحكم في نقط المصاحف للداني ص151 المكتبة الشاملة)

ويقول الباحث الكبير في علوم القرآن غانم قدوري في كتابه المرجعي "رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية":
((والحقيقة هي أن الذي ورد في الرسم العثماني في غير أول الكلمة ليس الهمزة، إنما هو هذه المطايا دون راكبها، لأن الكتبة لم يَدُر في خلدهم أنهم يكتبون همزة بصورة الواو أو الياء. إنما هم يكتبون واواً أو ياء أو شيئا قريبا من ذلك، وهم لا يقصدون بذلك سوى تمثيل هذه الأصوات التي استعملوا لرسمها ما هو معروف من رموزها في الكتابة العربية ولو أرادوا أن يكتبوا الهمزة لأثبتوها ألفاً كما هو أصل رمزها. )) (ص361)

إذاً الهمزة في القرآن كتبت بأشكال مختلفة لأن كتبة القرآن القرشيين ما كانوا ينطقون الهمزة، وبعد نسخ المصاحف العثمانية صارت هذه المصاحف هي المرجع ليس في التلاوة وحسب بل وحتى في الإملاء، لذلك تمسكا بطريقة كتابة الهمزة في القرآن فإن من كان يهمز صار لا يكتب الهمزة بالألف بل يكتبها كما هي مكتوبة في المصحف فتارة على ألف وتارة على ياء وتارة على واو، فصار الذي يهمز حين يكتب كلمة "بئر" لا يكتبها "بأر" كما كان يفعل العرب قديما، بل يكتبها "بئر" بالياء، ولذلك نحن اليوم نكتب الهمزة بهذه الأشكال المختلفة لأن لغتنا الفصحى اليوم تنطق الهمزات، وفي نفس الوقت نحن نكتب وفقا لقواعد الرسم العثماني الذي لا يوجد فيه همز. وهكذا وصلنا إلى القواعد المعقدة لكتابة الهمزة اليوم.
يقول غانم قدوري:
((وبعد أن أُرسلت المصاحف العثمانية إلى الأمصار الإسلامية كانت معتمد الأمة في كل الأقطار والأمصار ليس في تحقيق ألفاظ التلاوة وحسب بل في رسم  الكلمات أيضا، وقد مرت الأيام مسرعة وتعرضت اللغة العربية في المجتمعات الجديدة إلى امتزاج لغوي بين اللهجات العربية التي كان يتقاسمها سكان الجزيرة. وكانت ظاهرة الهمز إحدى جوانب ذلك الامتزاج اللغوي، حيث أن العربية أخذت تتبنى ظاهرة الهمز وساعد على ذلك تبني الحركة العلمية اللغوية في العراق له بسبب اتجاه العلماء إلى أخذ اللغة عن قبائل شرق الجزيرة ووسطها – وهم ينطقون الهمزة-  وبسبب أن بلاد العراق مفتوحة على وسط  الجزيرة وعلى اتصال دائم بها وقد نزلت أقوام كثيرة من وسط الجزيرة في العراق. )) (رسم المصحف ص575 بتصرف)


ثم يقول: ((وبذلك صار الناس حين يكتبون في المصاحف وفي الأمور العلمية والحياتية الأخرى صاروا يصورون الهمزة بأحد الحروف الثلاثة (ا ي و) مع العلامة التي تدل على الهمزة فوقه، اقتداء بالرسم العثماني، ونُسي أن الألف هي الأصل في رمز الهمزة، ونُسي أن المصاحف العثمانية كُتبت في الحجاز بلغة الذين يسهلون الهمزة إلا في أوائل الكلمات، لكن حرص الناس على التمسك بما أجمع عليه الصحابة في  المدينة وهو الرسم العثماني جعلهم يحرصون على الاحتفاظ بصور الكلمات كما جاءت في المصحف، وكانت الكلمات المهموزة قد رُسمت على التسهيل أي أن الهمزة كانت تلفظ وترسم واوا أو ياء أو ألفاً، وحين استعملوا صور هجاء الكلمات المهموزة الواردة في الرسم العثماني أبقوا الرسم على حاله واكتفوا بالتعليم على الحروف التي تقع في موقع الهمزة بعلامة توضع فوقها، وكانت نقطة في أول الأمر ثم صارت بعد الخليل رأس عين.)) (رسم المصحف ص577)

ملاحظة: قوله ((كُتبت في الحجاز بلغة الذين يسهلون الهمزة إلا في أول الكلمات)) فليس المقصود به أن قريشا كانت في كلامها تنطق الهمزة في أول كل كلمة بل تنطقها إذا كانت في أول الكلام فقط، ولكن في الكتابة فقد جرت عادتهم على أن يكتبوا الهمزة في أول الكلمة ألفا لأنك لو ابتدأت كلامك بهذه الكلمة فلابد أن تنطق الهمزة.
ونحن نرى في القراءات العشر بقايا لتسهيل الهمز الذي كانت عليه القراءة الأصلية، وهذا التسهيل الذي وصلنا نجد فيه تسهيلا للهمزة في أول الكلمة؛ فورش عن نافع يقرأ "قد أفلح" هكذا "قَدَ فْلَح"، وحمزة لا ينطق الهمزة في الوقف – أي آخر كلمة يقرؤها القارئ قبل التوقف لأخذ نفس - سواء كانت الهمزة في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها.
 
للمزيد حول رسم المصحف ودلالته على غياب الهمز في القرآن راجع كتاب رسم المصحف لغانم قدوري. يمكنك تحميله من هنا

الآن نأتي إلى السؤال: لماذا لم نعد نقرأ القرآن كما كان يقرأه الرسول؟
إليك الجواب:
قبل الهجرة كان يُقرأ القرآن على طريقة واحدة لا تخرج عن لغة قريش، وبعد الهجرة نزلت رخصة الأحرف السبعة التي سمحت للناس بأن يقرأوا القرآن بما يوافق لهجاتهم، فبدأت تتعدد القراءات القرآنية وبدأت تظهر قراءات على غير لغة قريش، ومن هنا كان منشأ الظواهر الصوتية المخالفة للغة قريش والتي نجدها في قراءة حفص عن عاصم وغيرها من القراءات.
يقول غانم قدوري: ((وقد ثبت أن ورود الرخصة والتيسير كان بعد الهجرة النبوية إلى المدينة، وأن روايات الحديث (أي حديث الأحرف السبعة) كانت تصف أحداثاً وقعت في المدينة. وهذا يعني أن الاختلاف في القراءة لم يكن قد برز في المجتمع المكي حيث كان المسلمون من بيئة لغوية واحدة تكاد تنعدم فيها الفروق اللغوية، وحين هاجر النبي وصحابته إلى المدينة المنورة تغيرت الحال، فازداد عدد المسلمين، وامتد الإسلام إلى خارج المدينة بين القبائل العربية في بيئات لا تخلو من الفوارق اللغوية واختلاف العادات في النطق، ولما كان الإسلام يهدف إلى أن يتلو القرآن كل مسلم فقد ظهرت مشكلة القدرة على تحقيق ألفاظ التلاوة بكل خصائصها الصوتية، لأن العرب متباينون في كثير من  الألفاظ واللغات.
ويصور ابن قتيبة أبعاد تلك الرخصة حين يقول: "فكان من تيسيره سبحانه أن أمر النبي بأن يقرئ كل قوم على ما جرت عليه عاداتهم؛ فالهذلي يقرأ (عتى حين) يريد (حتى حين) لأنه كان يلفظ بها ويستعملها، والأسدي يقرأ: تِعلمون وتِعلم... والتميمي يهمز، والقرشي لا يهمز، والآخر يقرأ (وإذا قيل لهم) بإشمام الضم مع الكسر... و(مالك لا تأمنا) بإشمام الضم مع الإدغام، وهذا ما لا يطوع به كل لسان، ولو أن كل فريق من هؤلاء أُمر أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلاً وناشئاً وكهلاً، لاشتد ذلك عليه... ولم يمكنه ذلك إلا بعد رياضة طويلة للنفس، وتذليل للسان، وقطع للعادة، فأراد الله برحمته ولطفه أن يجعل متسعاً في اللغات ومتصرفاً في الحركات." )) (رسم المصحف ص142)

ويقول غانم قدوري أيضا:
((ونحن نتوقع أن المصحف العثماني في عهد نسخه كان يُقرأ بالقراءة التي كُتب عليها وروعيت في رسمه، وهي القراءة العامة المشهورة آنذاك. يقول أبو عبد الرحمن السلمي (توفي 74هـ) : "كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرأون القراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل مرتين في العام الذي قـُبض فيه، وكان قد شهد العرضة الأخيرة، وكان يُقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمده الصديق في جمعه وولاه عثمان كتبة المصاحف.)) (رسم المصحف ص148)

ويقول أيضا:
((وإذا كان المصحف العثماني قد كُتب على قراءة بعينها، فلماذا لا نجدها متمثلة بقراءة قارئ أو مصر من الأمصار إذن؟ يمكن القول بناء على ما تقدم أن قراءة أهل المدينة كانت في القرن الهجري الأول أقرب إلى أن تكون تلك القراءة، وهي التي كانت تُعرف بقراءة العامة، وقراءة الجماعة، ويبدو أن معالم تلك القراءة أخذت تختفي شيئاً فشيئاً لأن أئمة القراءة كانوا قد قرأوا على شيوخ كثيرين، فكانوا ينتخبون من قراءات أولئك الشيوخ قراءة يستمرون عليها، وقد حدثت هذه الظاهرة منذ وقت مبكر، فينقل ابن الجزري أن ابن عباس (ت68هـ) "كان يقرأ القرآن على قراءة زيد بن ثابت إلا ثمانية عشر حرفاً أخذها من قراءة ابن مسعود."
"وقد عُرفت ظاهرة قيام القارئ بتجميع قراءته من الروايات التي قرئت عليه من أكثر من شيخ، عُرفت هذه الظاهرة بالاختيار،  فكان أئمة الإقراء في القرون الأولى ينتخبون قراءة من مجموع ما يروونه عن شيوخهم، وكان نافع بن أبي نعيم (ت169هـ) إمام أهل المدينة يقول: قرأت على سبعين من التابعين، فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته، وما شذ فيه واحد تركته، حتى ألّفت – أي جمعت – هذه القراءة من هذه الحروف." )) (رسم المصحف، ص625)

ويقول أيضا:
((ولم تستمر ظاهرة الاختيار طويلاً فقد وجد الأئمة بعد فترة أن تكاثر اختيارات الأئمة بلغ حداً يحتاج إلى جهود كبيرة، ورأوا أن يقتصر نشاطهم على ضبط الرواية عمن سبقهم. ولعل خير من يمثل هذا الاتجاه الجديد أبو بكر بن مجاهد (ت324هـ) ... وقد عمل ابن مجاهد على حفظ اختيارات أئمة القراءة، فاختار من كل مصر من الأمصار قراءة قارئ اشتهر بالحفظ والأمانة، فعمل من ذلك كتاب السبعة الذي كان له أثره في تاريخ القراءات إلى اليوم.)) رسم المصحف ص627

الآن دعوني أشرح لكم ظاهرة الاختيار التي مارسها أئمة القراءة والتي أدت في النهاية إلى ضياع القراءة الأصلية التي كانت على لغة قريش.
لنأخذ كمثال قراءة حفص عن عاصم التي عليها معظم المسلمين اليوم، حفص  قد يكون سمع شيخه عاصما يقرأ القرآن كاملا بالهمز بشكل يتوافق مع إحدى اللهجات العربية التي تنطق جميع الهمزات، وحفص قد يكون أيضا سمع من شيخه عاصم قراءة أخرى للقرآن على لغة قريش لا همز فيها على الإطلاق، هنا حفص يريد أن يصنع لنفسه قراءة متفردة يختلف بها عن الآخرين، لذلك لا يروي عن عاصم القرآن كاملا بالهمز لأن هناك آخرين رووا القرآن بلا همز، ولا يروي القرآن كاملا بغير همز لأن هذه هي القراءة الأصلية التي يعرفها الجميع، فماذا يفعل حفص لكي يجعل لنفسه قراءة يتفرد بها؟ يقرأ حفص القرآن كاملا بنطق جميع الهمزات باستثناء كلمتي "هزوا" و"كفوا" فهما في الأصل هزءا وكفؤا، وكذلك سهّل حفص الهمزة الثانية من "أأعجمي". وهكذا اخترع حفص لنفسه قراءة يتميز بها عن الآخرين لأنه لا توجد قراءة أخرى تحقق جميع الهمزات في القرآن وفي نفس الوقت تسهل الهمزات في هذه المواضع بعينها. (هذا مجرد مثال لتقريب الفكرة فلا أحد يعرف شكل القراءات الأصلية التي اختار منها عاصم ولا شكل القراءات التي قرأها عاصم على حفص).

يقول مختار الغوث في كتابه "لغة قريش" ص40 : ((أن القراء كانوا يجمعون وجوها شتى من القراءات، ويختارون من بين قراءات شيوخهم قراءة جديدة يشتهرون بها، ربما تحوي أشياء مخالفة للغة القرشيين الذين تلقوا عنهم.))

هكذا ضاعت القراءة الأصلية للقرآن لأن القراء صاروا يتنافسون على المجيء بقراءة متفردة يشتهرون بها ولأجل ذلك خلطوا القراءات ببعضها، وهكذا تجد القراءات العشر التي يقبل بها علماء القراءات التقليديون اليوم ويزعمون بأنها متواترة عن الرسول، تجد كل قراءة من هذه القراءات هي عبارة عن خليط عجيب من لهجات عربية مختلفة بحيث يستحيل أن الرسول قد قرأ القرآن في مرة من المرات بشكل يوافق إحدى هذه القراءات. وهنا تكتشف التدليس في قول العلماء التقليديين بأن القراءات العشر هي متواترة عن الرسول، ومعنى التواتر أن القراءة تلقتها عن الرسول جماعة، وهذه الجماعة نقلتها لجماعة أخرى وهكذا نقلتها الجماعات إلى الجماعات إلى الجماعات إلى أن وصلتنا في يومنا هذا بالإسناد عن الرسول، وبذلك يكون ثبوتها قطعيا عن الرسول.
العلماء التقليديون حين يقولون بأن القراءات العشر هي متواترة عن الرسول هم يقصدون بذلك أن كل قراءة هي متواترة بأجزائها ولكن ليس بكليتها، دعني أضرب لك مثالا من قراءة حفص الآية: ((ولم يكن له كفوا أحد)). كفوا أصلها "كفؤا" ولكن حفصا يسهل الهمزة هنا فتصبح بالواو الخالصة، ولكنه أيضا ينطق همزة "أحد" وهي في لغة قريش لا تُنطق هنا لأن الكلمة ليست في أول الكلام. إذاً حفص يقرأ "كفؤا" على لغة قريش ويقرأ "أحد" على غير لغة قريش. علماء القراءات يقولون لك أن قراءة الآية بهذا الشكل هو متواتر عن الرسول، ولكنهم ماذا يعنون بذلك؟ يعنون أن عدم الهمز في كلمة "كفوا" متواتر عن الرسول لأنه كان يقرأ القرآن بلا همز فقرأ هذه الآية بهذا الشكل: ولم يكن له كُفُوَنَ حَدْ، ويعنون أن نطق الهمزة في كلمة "أحد" متواتر أيضا عن الرسول لأنه في عدة مرات قرأ القرآن بالهمز لتكون هذه القراءة رخصة للعرب الذين يهمزون فقرأ الرسول هذه الآية هكذا: ولم يكن له كفؤا أحد. ولكن هل قرأ الرسول هذه الآية من أولها لآخرها بهذه الطريقة بحث لم يهمز كلمة كفؤا وهمز كلمة أحد؟ لا، وهنا تكتشف التدليس في القول بأن قراءة حفص هي متواترة عن الرسول فما يهمنا هو الشكل الكلي الذي عليه القراءة، فهل قرأ الرسول بهذه الأشكال الكلية التي عليها القراءات العشر والتي تخلط اللهجات العربية مع بعضها؟ لن تجد متخصصا في القراءات يمكن أن يقول لك بأن الرسول قد قرأ القرآن بما يوافق الشكل الكلي لإحدى القراءات العشر.

مثال آخر، قراءة حفص لا توجد فيها إمالة، ولكنه يميل في موضع واحد فقط من القرآن وهو: "باسم الله مجراها ومرساها" (هود/41). حيث أن حفصا يقرأ "مجراها" بإمالة الألف.
استمع:



 والكلمتان مكتوبتان بالمصحف بالياء: مجرىها ومرسىها، وهذا معناه أن الكلمتين إذا قرأتهما على الإمالة فلابد أن تميل الكلمتين، ومن في لغته الإمالة من  العرب لا فرق عنده بين كلمة "مجرى" و"مرسى"، ولكن حفصاً أمال "مجرىها" ولم يمل "مرسىها"!. علماء القراءات يقولون لك بأن قراءة حفص لهذه الآية هي متواترة عن الرسول، ولكن ماذا يقصدون بذلك؟ يقصدون أن الرسول قد قرأ هذه الآية بعدم الإمالة هكذا: باسم الله مجراها ومرساها. وأنه أيضا قرأ في مرة أخرى هذه الآية بالإمالة: باسم الله مجرىها ومرسىها. ولكن هل هذا الخليط  الذي جاء به حفص (مجرىها ومرساها) هل الرسول قرأ به؟ لا. إذا نحن لا يعنينها ما يزعمه علماء القراءات التقليديون من أن القراءات العشر هي متواترة عن الرسول لأن هذا التواتر غير متعلق بالشكل النهائي للقراءة، نحن نريد أن نقتدي بالرسول في الشكل الكلي الذي قرأ به القرآن، مثلا حين قرأ سورة الزلزلة نريد أن نعرف كيف نقلده في قراءته لها من أولها لآخرها في نفس الجلسة أو في نفس الصلاة التي قرأ فيها السورة. لا أن تأتي لي بخليط لم يقرأ به الرسول. نحن نريد الشكل الكلي للقراءة التي قرأ بها الرسول، وهذا لن تجده في القراءات العشر.

وحتى التواتر على المعنى الذي يريدونه، أي أن الجزئيات هي المتواترة وليس القراءة بالكلية، حتى التواتر على هذا المعنى هو غير ثابت عن الرسول، لأن هذا التواتر معناه أن الرسول قد قرأ القرآن بالهمز، وأنه هكذا وجدت الهمزة طريقها إلى القراءات، وهذا ينافيه ما لدينا من أخبار تؤكد أن الهمز لم يكن مصدره الرسول.
ومنذ ذلك ما رواه ابن مجاهد، وهو الذي حصر القراءات المقبولة بسبع قراءات، ثم جاء ابن الجزري بعد ذلك وأضاف عليها ثلاث قراءات فأصبح لدينا القراءات العشر. يقول ابن مجاهد:
((وَأخْبرنَا أَبُو سعيد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحارثى البصرى عَن الأصمعى قَالَ سَأَلت نَافِعًا (ونافع هو صاحب إحدى القراءات العشر، وعلى إحدى قراءاته يقرأ أهل المغرب اليوم برواية ورش عن نافع) ، قال سألت نافعا عَن الذِّئْب والبئر فَقَالَ إِن كَانَت الْعَرَب تهمزهما فاهمزهما)) (السبعة في القراءات ص346 المكتبة الشاملة).

لاحظ أن معنى هذا الكلام هو أن الذئب والبئر الأصل فيهما عدم الهمز في القرآن، يعني كانتا تُقرآن هكذا: الذيب والبير؛ فالأصمعي سأل نافعا الذي كان إمام المدينة في القراءة، سأله عن همز هاتين الكلمتين في القرآن، فقال له نافع إن كانت العرب تهمزهما فاهمزهما، ولم يقل له إن كان لديك إسناد عن الرسول بالهمز فاهمزهما!.
ومما يؤكد أن الهمز لم يأتِ من الرسول، قراءة نافع لكلمة معايش؛ فبسبب تشابه الصيغة مع صيغ أخرى فيها همزة مثل "فوائد" "مصائب" "مكائد" وغيرها، فقد التبس الأمر على نافع وظن بأن معايش تنتمي لهذه الفصيلة من الكلمات وبالتالي يمكن أن تُهمز، فقرأها بالهمز هكذا "معائش"!، ولكن الهمز هنا هو خطأ وغير ممكن لغويا، ولذلك وصف ابن مجاهد هذه القراءة بأنها غلط (هكذا وبصريح العبارة! انظر السبعة في القراءات ص278). 
وجاء في تفسير القرطبي للآية:
((وقرا الأعرج:" معايش" بِالْهَمْزِ. وَكَذَا رَوَى خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ نَافِعٍ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْهَمْزُ لَحْنٌ لَا يَجُوزُ. )) (لحن يعني خطأ لغوي) .

معنى ذلك أن همز كلمة معايش لا يمكن أن يكون قد جاء من الرسول، بل نافع أو أحد شيوخه هو الذي أضاف الهمزة إلى الكلمة.
وروى ابن مجاهد أن عيسى بن مينا قالون - وهو أحد رواة قراءة نافع - قال: (( كَانَ أهل الْمَدِينَة لَا يهمزون حَتَّى همز ابْن جُنْدُب فهمزوا مستهزون واستهزي)). (السبعة في القراءات ص60)

ويقول خلف، وهو إمام إحدى القراءات العشر: ((وقريش لا تهمز، ليس الهمز من لغتها، وإنما همزت القراء بلغة غير قريش من العرب)). (رسم  المصحف لغانم قدوري ص357)

ويقول مختار الغوث في كتابه لغة قريش:
((إن مفردات القرآن كلَّها قرشية بالأصالة أو الاقتراض، أما الظواهر اللغوية كالهمز والإدغام والإمالة فإن وجودها فيه رخصة لمن لا يستطيع سواها، وليس هو الأصل، وإنما الأصل قراءة الرسول التي كانت على لغة قريش. وكانت قراءته عليه الصلاة والسلام وتدوين الصحابة له على حرف واحد، لا تظهر فيه وجوه القراءات المباحة.)) (لغة قريش ص343)

وينقل مختار الغوث روايات تبين أن قراءة القرآن بالهمز كان أمرا مستقبحا لدى أهل المدينة ولدى بعض أهل العلم، فلو كان الهمز مصدره الرسول، فكيف لأهل المدينة ولبعض أهل العلم أن يكرهوا شيئا جاء به الرسول؟ يقول المؤلف:
((وقد حافظ أهل المدينة على التسهيل زمنا طويلا متأسين بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كبار أئمتهم كجعفر بن محمد الصادق وأبيه – يكرهون الهمز في القرآن، وكانوا يقفون بالمرصاد لمن يهمز بالمدينة لأنهم يرون أنه خارج على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يُروى في قصة حج الكسائي مع المهدي وقدومه المدينة، فقدمه المهدي يصلي بالناس، فهمز، فأنكروا عليه وقالوا: ينبر في مسجد النبي بالقرآن كأنه ينشد الشعر.
وقال الإمام مالك – وهو مدني – لما سُئل عن النبر في القرآن في الصلاة: إني لأكرهه وما يعجبني.
ومن أطرف ما رُوي عنهم في كراهية الهمز ما روى حماد بن زيد قال: رأيت رجلا يستعدي على رجل بالمدينة، فقلت له: ما تريد منه؟ قال: إنه يتهدد القرآن، قال فإذا المطلوب رجل إذا قرأ يهمز.)) (لغة قريش ص 64)

تصور أنك إذا كنت في المدينة في القرن الهجري الثاني، وقرأت القرآن بالهمز، قد تدخل في شجار بسبب ذلك!. أما علماء القراءات التقليديون اليوم فيقولون لك بأن الهمز هو سنة متواترة عن الرسول!، فيا سبحان الله ما هذه السنة المتواترة التي كان يكرهها أهل المدينة وإمامهم مالك؟.

والآن قد يقول قائل: وماذا عن الأخبار الواردة عن السلف والتي تؤكد أن القراءة هي سنة أساسها الاتباع؟ كقول عامر الشعبي: ((القراءة سنة فاقرؤوا كما قرأ أولوكم.)) (رسم المصحف 636)، فأقول أن هذه الأخبار تقصد وجوه القراءات المتعلقة ببنية الكلمات نفسها وإعرابها، كقراءة إذا جاءكم فاسقٌ بنبأ فتثبتوا - بدلا من فتبينوا -، وهذا النوع من الاختلافات يُسمى في كتب القراءات بفَرْش الحروف. فما يتعلق بفرش الحروف هو القائم غالباً على السماع والتلقي، أما ما يتعلق بالأداء أو الظواهر الصوتية كالهمز والإمالة، فهو لم يكن قائما على التلقي وحده، بدلالة قول نافع للأصمعي حين سأله عن الذيب والبير: إذا كانت العرب تهمزمها فاهمزهما.
ويقول ابن تيمية:
((وأما كيفيات الأداء مثل تليين الهمزة، ومثل الإمالة والإدغام، فهذه مما يسوغُ للصحابة أن يقرأوا فيها بلغاتهم، لا يجب أن يكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلفَّظ بهذه الوجوه المتنوعة كلها، بل القطع بانتفاء هذا أولى من القطع بثبوته.)) (جامع المسائل لابن تيمية المجموعة الأولى ص113 المكتبة الشاملة)
ولكن حتى القول بأنهم في فرش الحروف كانوا يعتمدون على النقل فقط هو قول غير صحيح ولكن لن أخوض في هذه الجزئية لأن هذه المقالة مخصصة للحديث عن لغة القرآن.




صفات قراءة الرسول

تتميز قراءة الرسول بالصفات التالية:
   1-  تسهيل كل الهمزات إلا الهمزة التي في بداية الكلام.
   2-   ضم هاء الغيبة مطلقا.
   3-   عدم الالتزام بمعظم قواعد التجويد والتي هي من وضع العلماء ولم ينزل بها القرآن، وهذه القواعد هي: المدود الطويلة، المبالغة في الغنة، المبالغة في القلقلة، المبالغة في التفخيم، المبالغة في تحري الوقف، والسكتات.
   4-   نطق الضاد ظاء.
   5-   نطق الألف المقصورة بالإمالة، والأرجح أن هذه الإمالة هي إمالة صغرى.
  6- النطق بالتفخيم للألف التي رُسمت في بعض الكلمات على شكل الواو.



نبدأ مع تسهيل الهمز
في كتب اللغة والقراءات قواعد معقدة نوعا ما لكيفية تسهيل الهمز، ولتبسيط الأمر بإمكانك أن تسهل الهمز على السليقة، لأن قواعد التسهيل هي مبنية أساساً على كيفية تسهيل العرب للهمزة وهم كانوا يفعلون ذلك على السليقة، والعرب اليوم في لهجاتهم المحلية يسهلون الهمزة بطرق لا تختلف عما هو موجود في كتب اللغة، لذلك لا حاجة لك لأن تطلع على هذه القواعد، ولكني سأسردها على كل حال، وسأبدأ بثلاث حالات لا تستطيع أن تأتي فيها بالتسهيل الصحيح على السليقة، وهي:
أولا: في حالة:
كسرة يليها همزة مكسورة يليها ياء
مثل: خاطئين؛ فالطاء مكسورة، تليها همزة مكسورة، تليها ياء.
في هذه الحالة تُحذف الهمزة، فتصبح الكلمة: خاطين. الصابئين تصبح الصابين، الخاسئين تصبح الخاسين، المستهزئين تصبح المستهزين، متكئين تصبح متكين، وهكذا. ولتسهيل الأمر عليك لا حاجة لحفظ القاعدة، فكل ما عليك هو أن تتبع رسم المصحف في مثل هذه الكلمات حيث لا تُرسم فيها ياء للهمزة  بل فيها ياء واحدة فقط، لذلك اقرأها كما هي مرسومة: خاطين.

الحالة الثانية:
كسرة يليها همزة مضمومة يليها واو.
مثل: الخاطئون. في هذه الحالة تُحذف الهمزة ويصبح الحرف الذي قبلها مضموماً، هكذا: الخاطئون تصبح الخاطُون، متكئون تصبح متكون، فمالئون تصبح فمالون، مستهزئون تصبح مستهزون. وهنا أيضا لا حاجة لك لحفظ القاعدة بل اتبع رسم المصحف في مثل هذه الكلمات حيث لا توجد ياء للهمزة.

الحالة الثالثة:
 كسرة يليها همزة مضمومة، مثل: سنقرئك. هنا تتحول الهمزة إلى ياء ساكنة، هكذا: سنقرئك تصبح: سنقرِيْك، أنبئكم تصبح: أنبيْكم.
انظر: رسم المصحف لغانم قدوري ص363

ملاحظة متعلقة بتسهيل الهمزة حين تسبقها ميم الجمع:
مثل: "وأكلِهم أموال"، بالتسهيل تصبح: وأكلهمَ مْوال، وهنا بفعل التسهيل تُسمع ميم الجمع مفتوحة وهذا يجيزه النحاه ولكن يتحاشاه القراء باستثناء حمزة فهذا موجود في قراءته حسب ما نقل ابن مهران. (انظر: النشر في القراءات العشر ص441 الشاملة)

الآن ننتقل لبقية قواعد تسهيل الهمز وهذه القواعد لا تحتاج إليها في الحقيقة حيث أنك تستطيع أن تسهل هذه الهمزات بالسليقة:
الهمزة الساكنة تتحول لحرف مد من جنس حركة ما قبلها؛ فرأس تصبح: راس، وبئر تصبح: بير، ومؤمن تصبح مومن، واقرأ تصبح : اقرا.
الهمزة المتحركة بشكل عام تنطق بين بين وكأنها هاء ضعيفة، إلا في الحالات التالية:
الأولى: إذا كانت الهمزة مفتوحة وقبلها كسرة فإن الهمزة تتحول إلى ياء خالصة مثل "خاطية" بدلا من خاطئة.
الثانية: إذا كانت الهمزة مفتوحة وما قبلها مضموم تتحول الهمزة إلى واو خالصة، مثل: فُوَاد، بدلا من فؤاد.
الثالثة: إذا كانت الهمزة متحركة وما قبلها ساكن، تُحذف  الهمزة وتنتقل حركتها إلى الساكن قبلها؛ مثل: "قد أفلح" تصبح: قدَ فْلح. "يسأل" تصبح: يَسَل. مسؤول تصبح: مسُول، قرآن تصبح قرَان، الأرض ، تصبح ألَرْض، وهكذا. وتسهيل الهمز بهذه الطريقة يُسمى في القراءات بالنقل، وهو موجود في قراءة ورش عن نافع. وفي قراءة حمزة عند الوقف فقط.
الرابعة: إذا كانت الهمزة متحركة وقبلها ياء أو واو ساكنتان، تُحذف الهمزة وتشدد الواو أو الياء، فمثلا: خطيئة، تصبح خطيّة، ولم أك شيئا، بلغة قريش تصبح: ولمَكُ شيّا.
وهذا موجود في قراءة حمزة في الوقف.

الهمزة في آخر الكلمة (تُسمى بالمتطرفة) إذا كان ما قبلها ساكناً فإنها تُحذف في الوقف ، ما هو الوقف؟ هو أن تتوقف عن القراءة إما لأن الآية انتهت أو لتأخذ نفساً: فمثلا: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، من الممكن أن أقرأ هذه الآية بالوقف على السماء كي آخذ نفس: قد نرى تقلب وجهك في السماء (تقف لتأخذ نفسا، ثم تواصل) فلنولينك قبلة ترضاها.
الآن على لغة قريش إذا وقفت على كلمة السماء فإنها تُنطق: السما.
إذا الهمزة المتطرفة إذا كان ما قبلها ساكنا فإنها تحذف في الوقف. علماء تصبح علما، أولياء تصبح أوليا، جزء تصبح جُزْ، وهكذا.
وتسهيل الهمزة المتطرفة بهذه الطريقة موجود في قراءة حمزة.


الصفة الثانية لقراءة الرسول
 ضم هاء الغائب مطلقا
حين أقول: "هذا كتابه"، فالهاء الأخيرة هي هاء الغائب، وفي قراءة حفص وفي لغتنا الفصحى المعاصرة، هذه الهاء تكون مضمومة إذا سُبقت بضم أو فتح: هذا كتابُهُ الجديد، قرأت كتابَهُ الجديد. ولكن حين تقول: نظرت إلى كتابهِ الجديد. فهنا الهاء كسرناها لأن ما قبلها مكسور. وكذلك حين تقول: مررت عليهِ البارحة، الهاء في "عليه" هي مكسورة لأنها مسبوقة بياء.
في لغة قريش، هاء الغائب هي دائما مضمومة، فتقول: نظرت إلى كتابهُ الجديد، ومررت عليهُ أمس.
يقول مختار الغوث:
((أما الضمير المتصل الهاء فتحافظ قريش على حركته الأصلية، فتضمه على كل حال، تقدمت عليه ياء ساكنة أو كسرة، أم لم تتقدما عليه، فتقول: بهو وعليهو وبهُم وعليهُم، إذ أصل هذا الضمير "هو" والهاء فيه مضمومة.
ولم يلتزم هذه اللغة من القراء إلا يعقوب الحضرمي فإنه يضمها إذا كانت ضمير تنثية أو جمع، ويوافقه بعض القراء في كلمات بعينها، فحمزة يضمها في عليهُم وإليهُم ولديهُم في القرآن كله، وحفص يضمها في "أنسانيه" و"عليهُ الله".
ويصف الفارسي في كتابه "الحجة للقراء السبعة" يصف ضم الهاء مطلقا بأنه القراءة القديمة.)) لغة قريش ص153

 لاحظ كيف وصف الفارسي ضم الهاء مطلقا بأنه القراءة القديمة، وهذا هو ما نريده.
ويقول سيبويه في "الكتاب" ص195: ((أهل الحجاز يقولون: مررت بهو قبل، ولديهو مالٌ، ويقولون: " فخسفنا بهو وبدارهو الأرض")).
وهذه آية من القرآن، فسيبويه إذاً يؤكد لنا أن أهل الحجاز في زمانه كانوا يقرأون القرآن بضم الهاء مطلقا. (توفي سيبويه عام 180 هـ )

حول صلة ميم الجمع بالضم
ميم الجمع هي هذه الميم التي تراها في "هم" "عليهم" "كتابهم". ولا خلاف في كتب اللغة أن هذه الميم ساكنة في الوقف؛ يعني حين تقرأ "صراط الذين أنعمت عليهم" وتقف هنا لأخذ نفس ثم تواصل، فإن الميم في "عليهم" لا توجد لغة من لغات العرب ولا قراءة من القراءات تقرؤها بالضم هكذا "عليهمو". ولكن في الوصل فإن الأمر مختلف فهناك قراءات تضم هذه الميم مطلقا في الوصل فتقول: "غير المغضوب عليهمو ولا الضالين". ومن لا يحرك الميم في الوصل فإنه يحركها فقط إذا تلاقت مع ساكن كي لا يلتقي ساكنان، وقد تُحرك بالضم أو الكسر.
ومن الملاحظ أن أكثر قراء الحجاز يضمون ميم الجمع؛ فهي قراءة ابن كثير المكي وابن محيصن المكي – قراءة شاذة غير عشرية - وأبي جعفر المدني ونافع برواية قالون، أما نافع برواية ورش فالميم تُضم فقط إذا جاء بعدها همزة.
ولكن فشو ظاهرة في قراءات الحجازيين لا تعني بالضرورة أنها قراءة الرسول؛ فكتب اللغة متفقة على أن قريشاً تضم هاء الغائب مطلقا، ولكن هذا الضم المطلق نادر جدا في القراءات الحجازية، بل أكثر من قرأ بها من القراء هم غير حجازيين: يعقوب البصري وحمزة الكوفي. يقول مختار الغوث: (( ولم يلتزم هذه اللغة من القراء إلا يعقوب الحضرمي، فإنه يضمها إذا كانت ضمير تثنية أو جمع، ويوافقه بعض القراء في كلمات بعينها، فحمزة يضمها في "عليهُم وإليهُم ولديهُم" في القرآن كله، وحفص يضمها في "أنسانيهُ" (الكهف/63) و"عليهُ الله" (الفتح/10)، ويضم ابن محيصن المكي كل هاء ضمير مكسورة قبلها كسرة أو ياء ساكنة إذا وقع بعدها ساكن، ويضمها ابن شهاب الزهري وسلام أبو المنذر في القرآن كله.)) لغة قريش ص154

إذا انتشار صلة ميم الجمع بالضم لدى القراء الحجازيين لا يعني بالضرورة أن هذه من صفات القراءة الأصلية، إذاً الحكم الفيصل هنا هو كتب اللغة، ولكننا نجد فيها تعارضا؛ فسيبويه يقول:
((ومن قال: وبدارهو الأرض قال: عليهمو مال وبهمو داء)). (الكتاب ج4 ص196 الشاملة). مما يعني أن قريشاً كانت تضم الميم.
ولكن الفراء يقول بأن كل العرب ينطقون بالطريقتين وأنه لا توجد لغة تختص بنطق الميم ضما، ولا توجد لغة تختص بتسكينها: ((والعربُ مُشْتَركون في جزمِ الميمِ ورفعِها في قولِهم: مِنْهُمْ، ومِنْهُمُو، وعَلَيْكُمْ، وعَلَيْكُمُ، وكُنْتُمْ، وكُنْتُمُ، لا نعرفُها خاصةً في قومٍ بإحدى اللُّغَتين، كلُّهم يقولون القولين.))  لغات القرآن للفراء ص33 الشاملة
وبناء على لذلك فإن قراءة القرآن بضم الميم أو تسكينه هو اختيار، وأنا أختار التسكين لأنه موافق لعربيتنا المعاصرة وأخف في النطق.


الصفة الثالثة لقراءة الرسول هي عدم الالتزام بأكثر قواعد التجويد والتي هي إضافات أضافها القراء على القرآن من عندهم، وهذه الإضافات هي: المبالغة في غنة الإخفاء والإدغام، المبالغة في حركة القلقلة، المبالغة في التفخيم، المبالغة في المدود ، السكتات، والمبالغة في تحري الوقف.

أبرز ما عليك العمل به من التجويد هو الإدغام والإقلاب ولكن بلا غنة، والمقصود بالإدغام هو دمج النون الساكنة والتنوين بالحرف الذي يليها إذا كان هذا الحرف هو أحد الأحرف المجموعة في الكلمة: يرملون.
مثال: "من يعمل" تصبح: مَيَّعمل. ولكن أهل التجويد يدغمون النون بالياء مع غنة مبالغ بها فيبالغون في التشديد على الياء هكذا: فميْيْيْيْيَعمل. تجنب هذا التشديد.


والإقلاب هو أن تُقلب النون الساكنة إلى ميم إذا جاءت النون قبل الباء، كما في "من بعد" حيث تصبح "مم بعد". ولكن أهل التجويد يبالغون في غنة الميم فيشددون عليها هكذا: مِمْمْمْمْبعد. تجنب هذا التشديد.


هذا هو ما عليك العمل به فقط من التجويد، أما بقية التجويد فأغلبه من وضع العلماء ولم يقرأ به الرسول، وإليك الأدلة التي تثبت ذلك من القرآن والسنة:

أولا: المدود.
حين تتلو كلمة "كتاب" فالألف هنا هي مد طبيعي مقداره حركتان، وهذا هو الأصل المفترض في كل المدود في القرآن أنها طبيعية ولا تُطَوَّل إلا بدافع التغني بالقرآن. ولكن أصحاب التجويد صنفوا المدود إلى أنواع فهناك أنواع لا يجوز تطويل المد فيها ولو من باب التغني بالقرآن، وهناك أنواع يجب المد فيها، وهناك أنواع يجوز المد فيها؛ ولذلك تجد المجودين يطيلون المد إذا سبق الهمزة كما في كلمة "السماء"، وتجدهم يطيلون المد قبل الحرف الساكن مثل: ولا الضالين (تطويل المد  قبل اللام).

هناك برامج خاصة بالتجويد يتصل عليها المتصلون ليقرأوا القرآن ويسمعوا ملاحظات المقرئ الذي يتفنن في التنطع واستخراج أدق الأخطاء في التلاوة، لو اتصلت على أحد هذه البرامج وقرأت البسملة كما أقرؤها هنا:


أي بزيادة المد في "الله" و"الرحمن"، فإن المقرئ سيقيم الدنيا عليك لأنك أطلت المدود في مواضع لا تجوز فيها الإطالة باستثناء المد في كلمة الرحيم لأن المد فيها هو في آخر الآية فتجوز زيادة المد هنا (المد العارض للسكون)، أما زيادة المد في الله والرحمان فهذا لا يجوز وفق قواعد التجويد. ولكن ماذا لو قلت لك بأن قراءة البسملة بهذه الطريقة هي طريقة الرسول؟
ففي صحيح البخاري،سُئِلَ أَنَسٌ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: «كَانَتْ مَدًّا»، ثُمَّ قَرَأَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] يَمُدُّ بِبِسْمِ اللَّهِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ. (صحيح البخاري حديث رقم 5046 الشاملة)

ويقول الشيخ ابن العثيمين في كتاب العلم، السؤال70 :
((لا أرى وجوب الالتزام بأحكام التجويد التي فصلت بكتب التجويد، وإنما أرى أنها من باب تحسين القراءة، وباب التحسين غير الإلزام، وقد ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنهما ـ أنه سئل كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: كانت مدًّا، ثم قرأ"بسم الله الرحمن الرحيم"يمدّ ببسم الله، ويمد بالرحمن ، ويمد بالرحيم.
والمد هنا طبيعي لا يحتاج إلى تعمده والنص عليه هنا يدل على أنه فوق الطبيعي.))

وهذا يؤكد أن قواعد التجويد المتعلقة بالمدود هي من اختراع العلماء ولم يقرأ بها الرسول.

إذا حين تقرأ القرآن بقراءة الرسول فلك إما أن تنطق جميع المدود على أنها مدود طبيعية متجنبا بذلك اختراعات علماء التجويد، ولك أن تطيل جميع المدود كما ورد عن الرسول في قراءته، ولك أيضاً أن تطيل المد في الموضع الذي يناسب التغني الذي تقوم به فلا يوجد دليل على أن جميع المدود يجب أن تكون إما طبيعية أو طويلة.
وأنا في قراءتي للقرآن أختار القراءة بالمد الطبيعي غالباً لأن القراءة بها أسهل خاصة لأصحاب النَفَس القصير مثلي فلا أضطر للتوقف كثيرا أثناء القراءة لأخذ النفس.

إشكال والجواب عليه:
يعتمد أهل التجويد على الخبر التالي للدلالة على أن مدود التجويد أصلها من الرسول، والخبر أورده ابن الجزري في النشر:
(( حَدَّثَنِي مَسْعُودُ بْنُ يَزِيدَ الْكِنْدِيُّ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُقْرِئُ رَجُلًا، فَقَرَأَ الرَّجُلُ: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مُرْسَلَةً، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا هَكَذَا أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كَيْفَ أَقْرَأَكَهَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: أَقْرَأَنِيهَا " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ " فَمَدُّوهَا.)) 
ما يريده أهل التجويد أن ابن مسعود قرأ "الفقراء" بإطالة مد الألف وهذا يتطابق مع أحكام أهل التجويد. 
الجواب من وجهين:
1-إن صح المعنى الذي يريده أهل التجويد للخبر فإن الخبر حينها يعارض خبرا أقوى منه في الإسناد وهو الخبر السابق ذكره في البخاري حيث بين أنس بن مالك أن الرسول كان يمد جميع المدود في قراءة البسملة وهذا مخالف لأحكام أهل التجويد. أما خبر ابن مسعود هذا فلم يرد لا في الصحيحين ولا في كتب السنن ولا في موطأ مالك ولا حتى في مسند أحمد ومعلوم عند أهل الحديث أن هذه الكتب هي أقوى كتب الحديث وأولى بالاعتماد من غيرها. أما خبر أنس بن مالك فهو موجود مرتين في أقوى كتب الحديث وهو صحيح البخاري.
 
2- الخبر ليس واضحا في أن المراد من كلمة المد هو تطويل المد كما يفعله أهل التجويد؛ فالنطق الذي سمعه ابن مسعود وُصف بأنه مرسل، فيما أتى ابن مسعود بنطق ممدود. وهذا يذكرنا بما في كتب اللغة من وصف للكلمة التي تنتهي بألف بأنها مقصورة، والكلمة التي تنتهي بهمزة مسبوقة بألف بأنها ممدودة، كما في شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك:
((المقصور: هو الاسم الذي حرف إعرابه ألف لازمة.... الممدود وهو الاسم الذي في آخره همزة تلى ألفا زائداة نحو حمراء وكساء ورداء. )) شرح ابن عقيل 4/101 الشاملة
وتجد هذا التقسيم واضحا في الحديث عن إحدى ضرورات الشعر وهي:
((مد المقصور، مثل:
سيغنيني الذي أغناك عني = فلا فقرٌ يدوم ولا غِناءُ
والأصل ( ولا غنى ) لكنه مُدَّ للضرورة. )) الجائز والمفروض في علم العروض لمحمد فهمني ص139
فتحويل كلمة "غنى" إلى "غناء" يُسمى بمد المقصور، وتحويل كلمة "سماء" إلى "سما" يُسمى بقصر الممدود.
وهكذا حين يصف الخبر كلمة "فقراء" التي سمعها ابن مسعود بأنها مرسلة، ثم يصف كلمة "فقراء" التي قرأها ابن مسعود بأنها ممدودة، فإن ذلك يحتمل معنيين: المعنى الذي يقول به أهل التجويد، والمعنى الآخر هو أن ابن مسعود سمع القارئ يقرأ "فقراء" دون همز هكذا: فقرا. ثم قرأها ابن مسعود بالهمزة "فقراء". 
وهنا قد ترى تعارضاً بين هذا الخبر وبين لغة قريش كما وصفها النحاة؛ فكلمة "فقراء" في لغة قريش يتم إسقاط همزتها. هذا ما يقوله النحاة. ولكن "فان بوتن" في دراسته للغة القرآن وجد أن الهمزة المتطرفة المسبوقة بألف تُنطق في لغة القرآن ولا يتم إسقاطها. وقد توصل إلى هذه الملاحظة لأن مثل هذه الهمزة تتناغم مع فواصل بعض الآيات؛ ففي سورة إبراهيم تأتي فاصلة الهمزة المتطرفة المسبوقة بألف تأتي وسط فاصلة الحرف الساكن المسبوق بألف؛ فمثلاً تنتهي الآيات من 38 إلى 44 بالكلمات التالية:
السماء، الدعاء، دعاء، الحساب، الأبصار، هواء، زوال.



 ومما عليك أن تجتنبه أيضاً من التجويد:

المبالغة في القلقلة والتفخيم:

أحرف التفخيم هي: خُصّ ضَغْطٍ قِظْ.
والتفخيم حالة طبيعية تحصل عند نطق هذه الأحرف، ولكن بعض أهل التجويد يبالغون في هذا التفخيم خاصة حين يكون الحرف مفتوحاً وبعده ألف مدية؛ مثل كلمة "قال" حيث أن المبالغة في تفخيم القاف تحول الألف إلى ما يشبه صوت o  الإنجليزي، أو النطق العامي للواو في كلمة "فوق".
أما القلقلة فهي صفة موجودة في أحرف القاف والطاء والباء والجيم والدال (مجموعة في قطب جد)، ولكن المشكلة مع أكثر أهل التجويد اليوم أنهم يبالغون في صوت القلقلة؛ فبدلا من أن تنطق الباء الساكنة هكذا: أبْ، فإن القراء ينطقونها مع حركة شبيهة بالكسر فتصبح كأنها "أبه".
وهم بمبالغتهم في القلقلة يحولون الحرف الساكن إلى حرف متحرك، وهذا لا يمكن للعرب أن يكونوا قد نطقوا به لأنه يفسد أوزان الشعر؛ فأوزان الشعر قائمة على تتابع الحركة والسكون بأنماط معينة؛ فمثلا قول الشاعر:
ولقد ذكرتكِ والرماح نواهلٌ *** مني وبيضُ الهندِ تقطرُ من دمي

هذا البيت هو من البحر الكامل الذي وزنه هو:
 متفاعلن متفاعلن متفاعلن*** متفاعلن متفاعلن متفاعلن
 متفاعلن تعني: ثلاث حركات يليها سكون يليها حركتان يليها سكون. (ويجوز للتاء في متفاعلن أن تكون ساكنة)
الآن إذا قرأت البيت السابق مع المبالغة في القلقلة كما يفعل قراء القرآن اليوم، فإن الدال الساكنة في "لقد" ستصبح متحركة، وهذا يكسر الوزن فبدلا من أن يكون لدينا ثلاث حركات يليها سكون يليها حركتان يليها سكون، يصبح لدينا ست حركات متعاقبة يليها سكون، وهذا النمط أصلا غير موجود في أي من بحور الشعر.
إذا لا يمكن للعرب أن يكونوا قد تكلموا بهذه القلقلة المبالغ بها.
الآن قد تقول أنه ربما هذه القلقلة الزائدة هي خاصة بتلاوة القرآن فقط؛ أي أن العرب ما كانوا يفعلون ذلك في كلامهم العادي ولا في شعرهم بل فقط في تلاوة القرآن، فأقول حتى في تلاوة القرآن فإن المبالغة في القلقلة تخل بالتناغم بين كلمات الفواصل في أمثلة كثيرة جداً. والتفخيم المبالغ به كذلك يخل بتناغم الفواصل في أمثلة كثيرة جدا ولكن لقلة القراء الذين يبالغون في التفخيم فإنني سأكتفي بذكر مثال واحد عليها، في حين سأستفيض في طرح أمثلة إخلال القلقلة الزائدة بالفواصل لأن القلقلة الزائدة صارت القاعدة اليوم لدى أكثر القراء. ولكثرة أمثلة هذا النوع فقد اقتصرت على الأمثلة الواردة في جزء عم فقط. 

الأمثلة:
1- سورة الطارق.
وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) 

لاحظ أن جميع الآيات السابقة تنتهي بشكل واحد: حرف مفتوح + ألف + حرف مكسور + حرف ساكن (طارق، طارق، ثاقب، حافظ)
قراءة الآيات السابقة بالقلقلة الزائدة تؤدي إلى الإخلال بهذا التناسق حيث ستنتهي الآيات الثلاث الأولى بحرف مد، فيما تنتهي الآية الرابعة (حافظ) بحرف ساكن لأن الظاء ليست من أحرف القلقلة. 
أواخر الآيات بالقلقلة الزائدة:
Tareqe, Tareqe, thaqebe, HafeTH
بدون قلقلة زائدة:
Tareq, Tareq, thaqeb, HafeTH

2- سورة البروج.
مشابهة للحالة السابقة. الفاصلة في جميع آيات هذه السور هي حرف مد (الواو أو الياء) يليها حرف ساكن: البروج، الموعود، ومشهود...
جميع الأحرف الأخيرة الساكنة في هذه السورة هي أحرف قلقلة، باستثناء آيتين حيث تنتهي الآية 11 بكلمة "الكبير"، وتنتهي الآية الأخيرة بـ "محفوظ". حين تقرأ السورة بالقلقلة الزائدة فإن جميع الآيات ستنتهي بحرف مد ناتج عن القلقلة الزائدة، ولكن هذا النهاية يتم كسرها عند الآيتين السابق ذكرهما لأنهما لا تنتهيان بأحرف القلقلة وبالتالي تبقى نهايتهما ساكنتين فيما جميع الآيات السابقة نهايتها متحركة. أما حين تقرأ السورة دون مبالغة في القلقلة فإن جميع النهايات ستكون ساكنة. 

3- النازعات 79
وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)


نمط أواخر الآيات: حرف مفتوح+حرف ساكن+حرف مفتوح+ألف (غَرْقا، نَشْطا، سَبْحا، سَبْقا، أَمْرا).
القلقلة الزائدة تؤدي إلى تحريك الباء في "سَبْحا" و"سَبْقا" فتصبح نهايات الآيات هكذا:
غرْقا، نشْطا، سبِحا، سبِقا، أمْرا
gharqaa, nashTaa, sabeHaa, sabeqaa, amraa

وهذا المثال يبين أيضا أن التفخيم الزائد سيخلق اختلالاً في الفواصل؛ فبالتفخيم فإن "غرقا" و"نشطا" و"سبقا" و"أمرا" ستنتهي بصوت شبيه بالـ O . في حين أن "سبحا" ستنتهي بألف عادية لأنها لا تُفخم. 
غرقو، نشطو، سبحا، سبقو، أمرو
gharqoo, nashToo,sabHaa, sabqoo, amroo




4- سورة العاديات.

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)

تنتهي الآيات بنمط واحد وهو: حرف متحرك+حرف ساكن+حرف مفتوح+ألف (ضَبْحا، قَدْحا، صُبْحا، نَقْعا، جَمْعا)
بالقلقلة الزائدة تتحرك الاحرف الساكنة في "ضَبْحا، قَدْحا، صُبْحا، نَقْعا" ، فيما تبقى الميم ساكنة في "جَمْعا". 

5- سورة الفجر.
وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)


نمط أواخر الآيات: حرف متحرك+حرف ساكن+ راء ساكنة.
القلقلة الزائدة تؤدي إلى تحريك الجيم الساكنة في "الفجْر" و"حِجْر". 

6- سورة الكوثر.

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
نمط الفاصلة: حرف مفتوح + حرف ساكن+حرف مفتوح+ ر ساكنة (كوثر، وانحر، أبتر)
kawthar, wanHar, abtar
التناغم تام بين الكلمات الثلاث. لكن بالقلقلة الزائدة تتحرك الباء في "أبتر" فيختل التناغم. 
kawthar, wanHar, abetar


 7- سورة العصر.


وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
تنتهي الآيات بشكل واحد: حرف متحرك+حرف ساكن + راء ساكنة (عصر، خسر، صبر)
بالقلقلة الزائدة تختل كلمة "صبر" لتتحرك الباء فتصبح Saber

8- سورة القارعة.
يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)
بالقلقلة الزائدة تتحرك الباء في "مبثوث" فتصبح الكلمة mabethuuth


9- سورة القدر.
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
نمط النهايات: حرف مفتوح+حرف ساكن+ راء ساكنة (قَدْر، قَدْر، شَهْر، أَمْر، فَجْر)
بالقلقلة الزائدة ستتحرك الأحرف الساكنة في "قدر، فجر" فيما تبقى الكلمات الأخرى ساكن فتصبح النهايات هكذا: قَدِر، قَدِر، شَهْر، أَمْر، فجِر).

10- سورة الضحى.
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ
انظر إلى التناغم بين "تقهر" و"تنهر". بالقلقلة الزائدة تصبح القاف في "تقهر" متحركة. 


11- سورة الشرح
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)
لاحظ التناغم بين: صَدْرَك، وِزْرَك، ظَهْرَك، ذِكْرَك.

القلقلة الزائدة تؤدي إلى تحريك الدال في "صَدْرَك". 


12- الغاشية 88
فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)

القلقلة الزائدة تؤدي إلى تحريك الباء في "مبثوثة". 


جميع الأمثلة السابقة هي من جزء عم فقط، ولو بحثت في بقية القرآن فستجد الكثير والكثير من الأمثلة المشابهة، وكثرة هذه الأمثلة تقطع بأن القرآن لا ينبغي أن يُقرأ بالقلقلة الزائدة كما يفعل معظم القراء اليوم. 


الغنة المبالغ بها
حين نأخذ هذه لآية مثلاً: "من شر ما خلق"، فإن القراء يقرأونها بتشديد مبالغ على النون، فتُنطق الآية هكذا: منننن شر ما خلق. وكذلك في بعض حالات الإدغام يتم التشديد المبالغ به، مثل: فمن يعمل، حيث تُنطق: فمَيْيْيْيَعمل، وكذلك يتم المبالغة في التشديد على النون في أحرف النون المشددة أصلا مثل "قل أعوذ برب النَّاس". هذا التشديد المبالغ على النون يُسمى في التجويد بالغنة ومقدارها حركتان. هذه الغنة المبالغ بها هي من وضع القراء ولم يقرأ بها الرسول. ودعني أشرح أحد أكثر حالات المبالغة في الغنة شيوعا وهي حالة الإخفاء: فأحكام النون الساكنة والتنوين يقسمونها إلى أربعة أقسام: الأظهار والإدغام والإقلاب والإخفاء، والإخفاء يحصل مع أكثر حروف الأبجدية بحيث إذا جاءت النون ساكنة قبل أحد هذه الأحرف فإنك تأتي بالغنة بمقدار حركتين. فلا تقول "من جاء"، بل تقول: "منننن جاء".
لماذا أدخل القراء التشديد على هذه النون؟ لو نظرت لاسم  الحالة ستعرف لماذا: الإخفاء. النون الساكنة قبل هذه الأحرف تسمى حالتها بالإخفاء لان النون فيها تختفي أو وتضعف، فقارن بين وضوح صوت النون الساكنة إذا جاءت قبل الجيم في: "من جاء" (انطقها)، قارنها مع وضوح صوت النون إذا جاءت قبل العين وهي من أحرف الإظهار يعني صوت النون يكون ظاهرا وواضحا: "مَن عنده" (انطقها)، لاحظ أن "من جاء"، كأن النون غير موجودة فيها، كأنك تقول "مجّاء"، بتشديد الجيم، وهذا لأن النون ضعفت فكأنها اندمجت مع الجيم، ولكن في حالة "من عنده"، النون هنا ظاهرة وواضحة ولا تمتزج بالعين بأي درجة. إذن حالة الإخفاء تسمى بذلك لأن النون الساكنة قبل هذه الأحرف تختفي أو يضعف صوتها، ولذلك أضاف القراء الغنة بمقدار حركتين على النون لكي لا يختفي صوت هذه النون. فـ"من جاء" تصبح: "منننن جاء"، وهكذا لا تختفي النون. ولكن هل كان الرسول يفعل هذا في قراءته؟ هل من قواعد الوحي الذي نزل أن كل نون في حالة الإخفاء يجب أن تُقرأ مع غنة بمقدار حركتين؟ لا.
والدليل على ذلك أولا سيبويه. 
فسيبويه وصف أصوات الأحرف العربية وصفا مذهلا في دقته بحيث أنه سبق علوم اللسانيات في الغرب سبقها بألف سنة من ناحية الأوصاف التي وضعها للأصوات وكيفية نشوء هذه الأصوات، ومع كل هذه الدقة والتفصيل الذي تحدث به، فإنه لم يشر إطلاقا لظاهرة الغنة المبالغ بها التي يفعلها القراء، خاصة أن سيبويه أشار إلى ظاهرة الإخفاء بمعنى أن النون الساكنة تختفي أو يضعف صوتها، ولكنه اكتفى بذلك ولم يذكر شيئا عن قيام القراء بمنع هذا الإخفاء عن طريق الغنة، مع أن هذه الغنة المبالغ بها هي من أبرز ما يميز قراءة القرآن بالتجويد، فكيف لا يشير سيبويه أي مرة إلى شيء هو من أبرز خصائص تلاوة القرآن؟.
 يقول سيبويه في كتابه "الكتاب" مشيرا إلى ظاهرتي الإخفاء والإظهار ص454 (الشاملة) :
((وتكون النون مع سائر حروف الفم حرفاً خفياً مخرجه من الخياشيم؛ ... فاختاروا الخفة إذ لم يكن لبسٌ، وكان أصل الإدغام وكثرة الحروف للفم. وذلك قولك: من كان، ومن قال، ومن جاء. وتكون (النون) مع الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء بينةً، موضعها من الفم. وذلك أن هذه الستة تباعدت عن مخرج النون وليست من قبيلها، فلم تخف ههنا كما لم تدغم في هذا الموضع.))

وفي سورة الرحمن نجد أن المبالغة في الغنة تخل بفاصلة سورة الرحمن. فأهل التجويد يأتون بهذه الغنة في مواضع من بينها النون المشددة كما في "قل أعوذ برب الناس" يقرأونها: قبل أعوذ برب الننناس.
وأهل التجويد يفعلون هذا مع النون المشددة حتى لو كانت في آخر الآية، استمع لقراءة العفاسي لكلمة جان في سورة الرحمن.




ولكن الفاصلة في جميع آيات سورة الرحمن هي ألف ونون غير مشددة، إليك كلمات الفواصل وفق النطق التجويدي ولاحظ كيف أن تشديد نون "الجان" يخل بالفاصلة:
تكذبان، كَالدِّهَانِ، تكذبان، جانننن، تكذبان



نأتي إلى النقطة الأخيرة فيما عليك أن تتجنبه من قواعد التجويد وهي: المبالغة في تحري الوقف

هناك علم في التجويد يُسمى بالوقف والابتداء، وهذا العلم متعلق بالمواضع التي ينبغي أو لا ينبغي الوقف فيها بالقرآن؛ لذلك تجد علامات مكتوبة بخط صغير في المصحف مثل "لا" حيث تخبرك بعدم جواز الوقف هنا، و "ج" تخبرك بجواز الوقف، و "صِلي" تخبرك بأن الوصل أولى من الوقف مع جواز الوقف، وهكذا، لذلك تجد القارئ اليوم حين ينقطع نفسه عند كلمة معناها متعلق بما بعدها، فإنه يعود بالقراءة إلى الوراء، مثلا في الآية: أنى لهم الذكرى وقد جاءهم (يقف القارئ لأخذ نفس، ثم يواصل) وقد جاءهم رسول مبين. بدلا من أن يقرأ هكذا:أنى لهم الذكرى وقد جاءهم (وقف، ثم يواصل) رسولٌ مبين (الحاقة 13)
دعني أخبرك أن تحري أماكن الوقف، والعودة في التلاوة إلى الوراء حين تقف على موضع متعلق بما بعده، دعني أخبرك بأن كل هذا هو تنطع في قراءة القرآن ما أنزل الله به من سلطان.
وذلك لأن هناك فواصل قرآنية نزل بها الوحي وهذه الفواصل قطعت بين كلمات متعقلة ببعضها، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، مثل:
سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ

هاتان الآيتان لو كانتا آية واحدة، ثم قرأت بالوقف على تنسى، وبعدها لم تعد بالقراءة إلى الوراء بل بدأت بما بعدها، سيقول لك أهل التجويد أن ما فعلته هو خطأ لأن "تنسى" ليست موضع وقف لأنها متعلقة بما بعدها. ولكن الوحي نزل بالفصل بينهما فلا شك بأن تنسى هي فاصلة في هذه السورة، في الحقيق هناك خلاف بين أهل العلم هل تقسيم آيات القرآن جاءنا من الرسول أم هو اجتهاد من السلف؟ والأرجح أنه اجتهاد لأن القراءات العشر تختلف فيما بينها اختلافات كثيرة فيما يتعلق بعدّ الآيات. ولكن بغض النظر عن ذلك، إذا كان تقسيم الآيات قد جاءنا من الرسول إذن انتهى النقاش لأن الكثير من رؤوس الآيات في القرآن تفصل بين كلمات متعلقة ببعضها، أما إذا كان تقسيم الآيات هو اجتهاد من السلف، فمع ذلك نستطيع أن نستنتج أن غالبية تقسيمات الآيات هي تقسيمات نزلت مع القرآن لأنه واضح أنها فواصل، كما في الآيات:
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إذَا صَلَّى
كلمة "ينهى" واضح أنها فاصلة وبالتالي نزلت الآيات بالوقف على هذا الموضع، وهي متعلقة بما بعدها، ولو كانت الآيتان آية واحدة لرأيت أهل التجويد يقولون لك أن الوقف على "ينهى" هو خطأ.
وكذلك الحال مع الآيات: سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7)
فواضح أن "فلا تنسى" هي فاصلة، وكما ترى فإنها متعلقة بما بعدها: إلا ما شاء الله.
وكذلك في:
وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20)

ولو قلت لي أنه لا يمكن لأحد أن يجزم أن رؤوس الآيات هذه قد نزلت مع القرآىن على أنها فواصل يجب الوقف عندها، وأنه بالتالي يبقى الأصل وهو أن هذه التقسيمات هي اجتهاد من السلف، فأنا أقول لك اجتهادهم هذا يثبت بأنهم ما كانوا يضعون نصب أعينهم تجنب الفصل بين الكلمات المتعلقة ببعضها. والأمثلة كثيرة في القرآن على رؤوس آيات تفصل بين كلمات متعلقة ببعضها تعلقاً شديدا، مثل:
قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) (طه)
وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ (الروم)
وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ (هود)

بل حتى الوقف القبيح كما يسميه أهل التجويد، توجد رأس آية تؤدي إليها، وهي:  فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)
لو كانت الآيتان آية واحدة هكذا: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ، ثم قرأتها بالوقف على المصلين، لأقام أهل التجويد عليك الدنيا ولم يقعدوها لأن وقفك هنا بزعمهم يؤدي إلى معنى قبيح وهو توعد المصلين بالويل، وكأنك بعدها ستتوقف عن قراءة القرآن ولن توضح أن المقصود هو المصلون الذين يسهون عن صلاتهم.
والعجيب أنه فعلا قد وصل التنطع بالبعض إلى درجة منع الوقف على "ويل للمصلين" على الرغم من أنها رأس آية في جميع القراءات.
يقول الداني:
((ومن هذا النوع من القبح أيضاً الوقف على الأسماء التي تبين نعوتها حقوقها، نحو قوله {فويلٌ للمصلين} وشبهه، لأن ((المصلين)) اسم ممدوح محمود لا يليق به ((ويل)) . وإنما خرج من جملة الممدوحين بنعته المتصل به وهو قوله {الذين هم عن صلاتهم ساهون} . )) المكتفى ص15 الشاملة.

فانظر كيف حين تفتح على نفسك باب التنطع في قراءة القرآن انظر كيف يوصلك هذا إلى انتقاد القرآن نفسه.
ولم يكن الداني وحيدا في توجهه هذا؛ فهناك علماء ذهبوا أبعد منه فلم يبالوا برؤوس الآيات مطلقا من ناحية أحقيتها بالوقف؛ فلأهل التجويد أربعة مذاهب في الوقف على رؤوس الآيات، والمذهب الرابع هو:
((أنّ حكم الوقف على رؤوس الآيات كحكمه على غيرها ممّا ليس برأس آية، فحينئذٍ ينظر إلى ما بعد رأس الآية من حيث التعلق وعدمه، فإن كان له تعلّق لفظي برأس الآية فلا يجوز الوقف على رأس الآية، وإن لم يكن له به تعلق لفظي جاز الوقف، فليس ثَمّ فرق بين رأس الآية وغيره من حيث الوقف وعدمه، ولهذا وضع أصحاب هذا المذهب علامات الوقف المختلفة فوق رؤوس الآي كما وضعوها فوق غيرها ممّا ليس برأس آية. وهذا مذهب بعض علماء الوقف كالإمام أبي عبد الله محمد بن طيفور السجاوندي (ت: 560 هـ)، والعلامة الشيخ أبي محمد الحسن بن علي بن سعيد العماني، والعلامة المحقق شيخ الإسلام الشيخ زكريا الأنصاري (ت: 926هـ)، والشيخ الجليل أحمد بن عبد الكريم الأشموني.))
(الوقف والابتداء في القرآن الكريم دراسةً وتطبيقاً، لعبد الرسول عبائي، الفصل 11)

وأنت لو قرأت القرآن على هذا المذهب فستضيع منك العديد من الفواصل القرآنية وبذلك ستفرّط في صفة أصيلة من صفات القرآن لصالح قواعد مختلقة.

الخلاصة إذا هي أنك حين تقرأ القرآن على قراءة الرسول، قف أينما انقطع نفسك ولا تبالِ ولا ترجع إلى الوراء في القراءة.


ومثلما تتجنب المبالغة في تحري الوقف، فعليك أيضا أن تتجنب العمل بالسكتات التي تفرد بها حفص عن بقية القراء؛ فهذه السكتات واضح من عللها أن ليست من القرآن وبأنها من اختراع القراء؛ فحفص يسكت على "من" في "من راق" لكي يمنع إدغام النون في الراء وهكذا لا يلتبس الأمر على من يسمع فيظن بأن المقصود هو "مرّاق" أي الذي يمرق. وعلى نفس المبدأ يسكت حفص على "بل" في "كلا بل ران على قلوبهم" لكي يمنع إدغام اللام في الراء فلا فيظن السامع بأن المقصود هو "برّان". يقول ابن الجزري عن سكت حفص: ((وَفِي (مَنْ رَاقٍ، وَبَلْ رَانَ) قَصْدُ بَيَانِ اللَّفْظِ لِيَظْهَرَ أَنَّهُمَا كَلِمَتَانِ)). (النشر ص426 الشاملة)
فهل معنى ذلك أن بقية القراءات التي لا توجد فيها سكتات هي قراءات بها عيوب بلاغية لأنها تسبب الالتباس؟. أما إن قلت بأن هذه السكتات قد نزل بها الوحي وبأنها قراءة متواترة! فهل هذا معناه أن الآيات قد أنزلت مرة بصورة تسمح بحدوث الالتباس ثم أنزلت مرة أخرى بصورة تمنعها؟

التجويد بدعة
اعلم بأن ما هو سائد اليوم من اعتبار التجويد واجباً في قراءة القرآن، اعلم بأن هذا أمر قد طرأ حديثا ولم يكن من قبل بهذا الانتشار؛ فابن تيمية قد ذم التجويد والمبالغة في تحري كيفيات النطق قائلاً:
(( ولا يجعل همته فيما حجب به أكثر الناس من العلوم عن حقائق القرآن إما بالوسوسة فى خروج حروفه وترقيقها وتفخيمها وإمالتها والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط وغير ذلك فإن هذا حائل للقلوب قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه وكذلك شغل النطق ب أأنذرتهم وضم الميم من عليهم ووصلها بالواو وكسر الهاء أو ضمها ونحو ذلك وكذلك مراعاة النغم وتحسين الصوت)). مجموع الفتاوى 16\50 .

 وقال ابن القيم تلميذ ابن تيمية: ((ومن ذلك الوسوسة فى مخارج الحروف والتنطع فيها. ونحن نذكر ما ذكره العلماء بألفاظهم:
قال أبو الفرج بن الجوزى: "قد لبس إبليس على بعض المصلين فى مخارج الحروف، فتراه يقول: الحمد، الحمد. فيخرج بإعادة الكلمة عن قانون أدب الصلاة. وتارة يلبس عليه فى تحقيق التشديد فى إخراج ضاد "المغضوب" قال: "ولقد رأيت من يخرج بصاقه مع إخراج الضاد لقوة تشديده. والمراد تحقيق الحرف حسب. وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق، ويشغلهم بالمبالغة فى الحروف عن فهم التلاوة. وكل هذه الوساوس من إبليس".)) إغاثة اللهفان 1/160 الشاملة




ويقول الشيخ العثيمين في كتاب العلم، السؤال70 :
((لا أرى وجوب الالتزام بأحكام التجويد التي فصلت بكتب التجويد، وإنما أرى أنها من باب تحسين القراءة، وباب التحسين غير الإلزام، وقد ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنهما ـ أنه سئل كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: كانت مدًّا، ثم قرأ"بسم الله الرحمن الرحيم"يمدّ ببسم الله، ويمد بالرحمن ، ويمد بالرحيم.
والمد هنا طبيعي لا يحتاج إلى تعمده والنص عليه هنا يدل على أنه فوق الطبيعي .))

وسئل الشيخ ابن باز:
((ما حكم قراءة القرآن الكريم من غير تجويد، وخصوصاً بأنه يعلم التلاميذ؟
لا حرج في ذلك، إذا قرأه باللغة العربية لا حرج أن يقرأه بغير التجويد، إذا أوضح القراءة وبين الحروف وأوضحها فلا بأس، ولو كان لا يحسن الإدغام أو الترقيق أو الإظهار أو ما أشبه ذلك إنما ذلك مستحب، يعني التجويد مما يستحب ومما يحسن به التلاوة، وهو من تحسين التلاوة، ولكن لا يجب على الصحيح.))

ومما يدل على أن التجويد لم يكن معروفا في الجزيرة العربية أن تلاوتي الشيخين ابن عثيمين وابن باز لا يوجد فيهما التزام بالتجويد، بل هم ينطقون الضاد ظاءً، وهذا عند أهل التجويد طامة كبرى بل ويزعم بعضهم بأنها تبطل الصلاة!!

استمع لتلاوتي الشيخين:



وكذلك تجد على اليوتيوب تلاوات للشيوخ صالح اللحيدان وصالح الفوزان وعبد العزيز آل الشيخ المفتي العالم للمملكة العربية السعودية، وهم جميعاً يقرأون القرآن بلا تجويد.

واستمع لجواب الشيخ صالح الفوزان حين سُئل عن أحكام التجويد فأكد بأن الواجب هو الإعراب وعدم اللحن، أما قواعد التجويد فهي تحسينيات.





والشيخ ابن باز حين أراد أن يتعلم التجويد لم يجد أحداً من مشايخه يعرف التجويد، فتعلم على رجل أعجمي، ثم لم يتكلف العمل به.
يقول الشيخ سعد الحصين في رسالة له إلى أحد الشيوخ:
((بيّنت لك في الأردن وأعدت لك البيان قبل سنة أو سنتين بما يقوله الشيخ ابن باز وابن عثيمين وما يرويه عن شيخه ابن سعدي وما ينقله عن ابن تيمية رحمهم الله جميعاً وأسكنهم الفردوس من الجنّة.
وحاصل كلامهم: أن هذه الأحكام المزعومة محدثة لم يشرعها الله ولا رسوله فلا يجوز الإلزام بها، وأكثر من تكلّم في هذا: الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إجابة على أسئلة المستفتين في برنامج نور على الدّرب من إذاعة القرآن بالرّياض، وسجّل هذا في كتابه: (العلم) ص171.
وقال رحمه الله وأصاب: التّجويد الصّحيح للقرآن: الالتزام بقواعد اللغة العربيّة لأن الله تعالى قال: {وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليبيّن لهم}.
قلت: وليس في قواعد اللغة العربيّة قلقلة كبرى ولا شديدة ولا أشدّ، وليس فيها إشمام ولا روم، وليس فيها مدٌّ متّصل ولا منفصل وجوباً ولا جوازاً، ولا إدغام أو إخفاء حرف أنزله الله على نبيّه ورسوله ووعد قارئه بحسنة والحسنة بعشر أمثالها، ولا ترقيق حرف ولا إمالة حرف آخر، ولم يكن لك أو لغيرك دليل ولا سند إلاّ دعوى التواتر، وكنْتَ تحتجّ عليّ بمثل ابن الجزري تجاوز الله عنّا وعنه فتيسّر لي أخيراً الاطّلاع على بعض مؤلّفاته فوجدته يدّعي تواتر مولد النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي يدّعيه المبتدعة ويزورونه ويطوفون به في عهد ابن الجزري، وهو ممن احتفى به وتقرّب بزيارته مراراً وترميمه، وفي عهدنا هذا بعد أن حوّلته الدّولة السّعوديّة المباركة قبل(70) سنة إلى مكتبة عامّة، بل هو يُصَحِّح سند خرقته الصّوفيّة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويزور الوثن باسم الإمام مسلم رحمه الله ويتقرّب إلى الله بقراءة جزء من صحيحه على الوثن، ويزور الوثن باسم عبد الله ابن المبارك رحمه الله تقرّباً بالمعصية؛ فهل يجوز لسلفيٍّ - فضلاً عن مبتدع - أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فيترك منهاج السّلف: الالتزام بالدّليل، ويلتزم (بل يدعوا) إلى منهاج صوفيٍّ قبوريٍّ في أعظم نعم الله علينا: تلاوة كتابه؟ منّ الله عليك يا أخي باتّباع منهاج السّلف، ووظيفة الدّعوة السّلفيّة السّعوديّة، ومن شكر الله على نعمته: الثبات على شرعه بدليله والدّعوة إليه، وذلك من الوفاء بعهدك مع الدّولة السّعوديّة.
ومن فضل الله على هذه البلاد والدّولة والدّعوة السّعوديّة المباركة أني لا أعرف عالماً من علمائها (من محمد بن عبد الوهاب إلى محمد بن ابراهيم آل الشيخ) رحمهم الله وأسكنهم الفردوس من الجنّة وقع في الالتزام أو الالزام بقواعد التجويد، ولكنّ الشيخ ابن باز وحده رحمه الله رغب في معرفة التجويد فلم يجد من مشايخه من يعرفه، فدرسه على أعجميّ، ولكنّه لم يتكلّف العمل به، ويمكنكم استماع قراءته الفطريّة من الانترنت وهي خير قراءة سمعتها.))
المصدر من موقع الشيخ:



الصفة الرابعة لقراءة الرسول هي نطق الضاد ظاءً
ينطق العرب اليوم الضاد على طريقتين: ظاء خالصة كما هو الحال لدى أهل الجزيرة العربية والعراق، ودالاً مفخمة كما هو الحال لدى أهل الشام ومصر، وكذلك القراء يقرأون القرآن بالدال المفخمة. وفي الحقيقة كلا الطريقتين لا تنطبقان على وصف سيبويه والقدماء لصوت الضاد.
يقول غانم قدوري في كتابه "المدخل إلى علم أصوات العربية" ص275: ((ويتضح من أقوال علماء العربية والتجويد السابقة أن صوت الضاد كما وصفه سيبويه لم يعد يجري على ألسنة الناطقين بالعربية والتالين للقرآن، وأنه صار ينطق بصور متعددة، أشهرها نطقه ظاءً أو قريبا من الظاء، ونطقه دالا مفخمة، وهو ما أطلقوا عليه الضاد الطائية)).

أما لماذا انتشر لدى أهل القرآن اليوم نطق الضاد دالا مفخمة، فيجيب على ذلك غانم قدوري قائلا ص275: ((ولما كان قراء القرآن من المصريين يحتلون في عصرنا موقع الريادة في العالم الإسلامي، سواء في احتراف قراءة القرآن أم في التدريس في معاهد الإقراء، وهم ينطقون الضاد طاء مجهورة، أو دالاً مطبقة، فإن تأثيرهم كان كبيرا في ترسيخ هذا النطق في العالم العربي والإسلامي فصار نطق الضاد شديدة من مخرج الطاء والدال والتاء هو النطق الفصيح الذي يجري على ألسنة قراء القرآن.))

ولذلك فإن المشايخ سابقاً في الجزيرة العربية كانوا يقرأون القرآن بنطق الضاد ظاءً إذ لم يتأثروا بعد بالقراء المصريين، وفي تلاوات الشيخين ابن باز وابن عثيمين تجد ابن عثيمين تارة ينطق الضاد ظاء وتارة ينطقها دالا مفخمة، استمع لتلاوته:
https://www.youtube.com/watch?v=UAH1OUUj5Is
 أما ابن باز فكان غالبا يقرؤها ظاءً:
https://www.youtube.com/watch?v=sebqXZkiCMw

وفي هذا رد على متنطعي التجويد الذين يزعمون أن قراءة القرآن بنطق الضاد ظاء تبطل الصلاة! فهؤلاء قد رأيناهم في أحكام الوقف كيف منعوا ما نزل به القرآن أصلا، ووصل ببعضهم الأمر إلى درجة المنع من الوقوف على رؤوس آيات مثل "ويل للمصلين" لأنها تؤدي إلى معنى قبيح كما يقولون! لذلك لا تبال بالأحكام التي يطلقها من وصل بهم الغلو إلى هذه الدرجات، وحسبك فيهم وصف ابن تيمية لطرائقهم بأنها تسبب الوساوس التي تفصل بين القلب وفهم كلاب الرب.
وممن قال ببطلان صلاة من يقرأ الضاد ظاء ابن الجزري حيث يقول أن "الضالين" سيتغير معناها لتصبح "الدائمين"! (التمهيد ص130 الشاملة)، ولكن من هذا الذي سيحصل لديه مثل هذا الالتباس؟ فحتى لو سمع الآية شخص ما سمعها من قبل في حياته فإن السياق "غير المغضوب عليهم ولا..." سيجعله يدرك أن المعنى المطلوب هو الضالين وليس الدائمين؛ وظاهرة المفردات المتطابقة بالنطق والتي لا نميز بينها سوى بالسياق هي ظاهرة موجودة في كل اللغات؛ فحين تسمع شيئا مثل "فلان نشر الخبر" هل ستفهم منها أن فلانا أمسك منشارا بيده ونشر الخبر إلى نصفين؟ أو أنه أمسك بالخبر وعلقه على حبال الغسيل لينشف؟
لذلك أكثر الالتباسات التي تسببها القراءة بالظاء هي التباسات يبددها السياق، ولكن هناك موضعين في القرآن لا يبددهما السياق وهما:
 وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (التكوير/24)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) (القيامة)

والحل لمنع الالتباس هنا هو أن تقرأ الضاد دالا مفخمة في هذين الموضعين فقط؛ فبذلك نمنع الالتباس هنا، ونواظب على قراءة الضاد في بقية القرآن ظاءً، أي بشكل أقرب إلى ما كان عليه الرسول.

أما لماذا نِطْق الضاد ظاءً هو أقرب إلى الضاد الأصلية من الدال المفخمة السائدة لدى القراء اليوم، فالجواب هو:
أولا: الضاد يصفها القدماء بأنها حرف رخو، ومعنى الرخاوة أنك تستطيع أن تنطق بالحرف بشكل مستمر وتمد فيه مدا هكذا: أظظظظظظ. بينما لا تستطيع أن تفعل هذا مع الأحرف غير الرخوة (وتُسمى بالشديدة) كالدال مثلا حيث لا تستطيع أن تقول: أدددد، حيث لا يمكن أن يمتد صوت الدال بشكل متواصل. والدال المفخمة هي غير رخوة أما الظاء فهي رخوة وبذلك هي تتشابه مع الضاد الأصلية أكثر.

ثانيا: على الرغم من أن نطق الضاد ظاء هو نطق خاطئ، ولكن هذا ما كان عليه أكثر القراء في القرن الخامس الهجري؛ يقول عبد الوهاب القرطبي (ت 461هـ) : ((وأكثر القراء اليوم على إخراج الضاد من مخرج الظاء، ويجب أن تكون العناية بتحقيقها تامة، لأن إخراجها ظاء تبديل.)) (المدخل لغانم قدوري ص272)

ثالثا: يقول ابن غانم المقدسي (ت 1004 هـ) في كتابه "بغية المرتاد لتصحيح الضاد": ((من ينطق بالضاد من مخرجها الخالص مع تحصيل صفاتها المميزة لها حتى عن الظاء فهو في أعلى مراتب النطق بها من الفصاحة.
ودونه من ينطق بها من مخرجها مشوبة بالظاء لكن من مخرجها وبينهما نوع فرق.
ودونه من ينطق بها ظاء خالصة، ومن يشمها الذال، ومن يشمها الزاي، ومن يجعلها لاماً مفخمة.
وكذا من ينطق بالضاد الطائية فهو من أسفل المراتب النطقية إلى من سبق ذكره.)) (المدخل لغانم قدوري ص274)
وكما ترى من هذا التقسيم فإن نقط الضاد ظاء هو في المرتبة الثالثة أما نطقها ضاداً طائية (أي الدال المفخمة) فهو أسفل مرتبة من بين المراتب السابقة.

ملاحظة: يزعم بعض أهل التجويد أن الضاد التي يأتون بها هي ليست دالاً مفخمة! وكمثال على ذلك ابحث في  اليوتيوب عن نطق الضاد للشيخ أيمن سويد، وحين تستمع لنطقه للضاد لن تجد فرقا يُذكر بين نطقه وبين الدال المفخمة، وإذا كانت الضاد ساكنة فإنه يمد بها نفَسَه بشكل بسيط مع تحريك لسانه للأمام، وهذا التحريك يقول بأنه هو صفة الاستطالة!. والاستطالة وفقا للقدماء هي صفة يختص بها حرف الضاد فقط.
إن نطق الشيخ أيمن سويد للضاد لا يمكن أن يكون هو النطق الأصلي وذلك لغياب الرخاوة.
يُعَرِّف مكي بن أبي طالب الحرف الرخو بأنه ((حرف ضعف الاعتماد عليه في موضعه عند النطق به فجرى معه الصوت، فهو أضعف من الشديد، ألا ترى أنك تقول: "الس" "الش" فيجري النفس والصوت معهما؟ وكذلك أخواتهما.)) (الرعاية ص60)
المقصود بقوله "الس" "الش" أنك إذا وقفت على السين والشين فإنك تستطيع أن تمد نطقهما هكذا: سسسسسسس، شششششششش، وهذا مقصده من جريان النفس والصوت. ووفقا له فإن الاحرف الرخوة مجموعة في الكلمات التالية: ثخذ ظغش زحف صه ضس. (الرعاية ص59).
وكما ترى فإن كل حرف من هذه الحروف تستطيع أن تجري فيها النفس والصوت إلى أن ينقطع نفسك؛ فتقول: ثثثثثثثثث، غغغغغغغغغ، ذذذذذذذذذذذ.
ولكن حين تأتي للضاد وتنطقها على طريقة أيمن سويد فلن يجري معك النفس والصوت سوى لنصف ثانية. ولو كانت هكذا الضاد تُنطق لما صنفوها أصلا ضمن الأحرف الرخوة.
وصفة الرخاوة هذه تقابلها صفة الشدة أي أن الصوت ينحبس عند النطق بالحرف الشديد فلا تستطيع أن تمد بالصوت كما تفعل مع الرخوة، والأحرف الشديدة هي: أجد قط بكت.
فلا تستطيع أن تمد بالدال قائلا: أددددد، بل سينحبس الصوت فلا تقول سوى: أد.
أما الجيم فهي في النطق الشامي حرف رخو ولكن في النطق الفصيح وفي نطق لهجات عربية أخرى فإنها حرف شديد تمتزج فيه الدال بالجيم الشامية.

حول حرفي الطاء والقاف
أكثر علماء الصوتيات العرب يقولون أن نطق حرفي الطاء والقاف اليوم مختلف عن النطق الذي وصفه القدامى، ولكن الأمر فيه إشكالات كثيرة ولذلك لا أعتمد النطق الذي يذكرونه في قراءتي للقرآن. خاصة بعدما اطعلت على أبحاث لأحمد الجلاد وهو بروفوسور في لغات الشرق الأدنى ومتخصص في تاريخ اللغة العربية القديمة، حيث يؤكد على أن النطق الحالي للطاء والقاف مماثل للنطق القديم. يوافقه على ذلك باحثون معاصرون آخرون.
للمزيد حول هذه القضية اقرأ مقالتي:
الطاء والقاف بين الجهر والهمس


الظواهر الصوتية في القراءات ليست متواترة
الاتجاه السائد اليوم لدى أهل القراءات هو الزعم بأن الكيفية التي يقرأون بها القرآن هي كلها بقضها وقضيضها تم تلقيها بالأسانيد المتواترة عن الرسول؛ ويشمل ذلك الهمزات والإمالات والمدود والغنن وكل شيء.
ومن هذا المبدأ سيرفضون القبول بالقراءة التي أنادي بها بدعوى أنها غير متلقاة بالتواتر ولا إسناد لها؛ فكيف يتركون ما هو متواتر عن الرسول – أي القراءات العشر - إلى ما هو غير متواتر؟.
ومن هذا المبدأ أيضا سيرفضون كل الدلائل التي عرضتها في هذا البحث والتي تثبت أن الهمز دخيل على القرآن من ناحية أنه يخل بالفواصل ومن ناحية الأخبار الواردة التي تؤكد أن الهمزات قد جاء بها القراء من عند أنفسهم دون إسناد عن الرسول، وكذلك الأخبار التي تؤكد كراهية أهل المدينة وبعض الأئمة للهمز، سيرفضون كل هذا قائلين أن هذه اجتهادات وأخبار آحاد لا يمكن أن نعارض بها المتواتر القطعي الذي لا شك فيه والذي يثبت أن هذا الهمز قد جاءنا من الرسول، لذلك فإني أرد عليهم من خلال قراءاتهم نفسها والتي يزعمون بأن ظواهرها الصوتية متواترة عن الرسول؛ فأقول كيف يعقل أن الهمزات والإمالات ومقادير المدود والغنن وكل هذه التفاصيل الصوتية الدقيقة كيف يُعقل أنها وصلتكم بالتواتر عن الرسول وفي نفس الوقت تفقدون النطق الصحيح لحرف من أحرف العربية وهو حرف الضاد؟ 
إن فقدان النطق الصحيح لحرف الضاد هو محل إجماع بين علماء الصوتيات. يقول غانم قدوري: ((فإذا كنا نجد اجتماع كلمة الدارسين على أن تطورا حصل في نطق الضاد القديمة، وترجيحهم حصول مثل ذلك التطور في نطق الطاء، فإن الأمر في القاف يظل معلقا لتعارض الأدلة وعدم ظهور ما يرجح أحد الاحتمالات على نحو قوي.)) المدخل ص282

وحتى الباحث في الصوتيات حسام  النعيمي الذي دافع عن كون النطق الحديث للطاء والقاف هو نفسه النطق القديم، فإنه يقول عن الضاد: ((والذي نخلص إليه أن الذي دخله التغيير في أصوات العربية في الفصيح على سبيل القطع هو صوت الضاد القديم. وأما ما سوى ذلك ففيه متسع للبحث، والراجح أنه من غير المتحول، وإن كانت أدلة التحول في بعضه قوية، إلا أن الأدلة  المعارضة أقوى.)) أصوات العربية بين التحول والثبات ص38

وابن الجزري نفسه الذي تمر به جميع أسانيد القراءات اليوم فإنه يقول في كتابه "النشر في القراءات العشر" يقول عن الضاد: ((وَلْيُعْمِلِ الرِّيَاضَةَ فِي إِحْكَامِ لَفْظِهِ خُصُوصًا إِذَا جَاوَرَهُ ظَاءٌ... وَكَذَا إِذَا سَكَنَ وَأَتَى بَعْدَهُ حَرْفُ إِطْبَاقٍ نَحْوَ: فَمَنِ اضْطُرَّ.)) النشر ص220 الشاملة

فلاحظ أن ابن الجزري يشدد على إحكام لفظ الضاد في كلمة "اضطر"، ولكن هذه الكلمة إذا نطقت الضاد فيها كما ينطقها القراء اليوم فإنه يستحيل أن يظهر صوت الضاد أصلاً لأنها تُدغم في الطاء فتقول: فمن اطَّرَّ.
وفي هذا قصة يرويها الشيخ الألباني في أحد أشرطته، وكان الشيخ ينطق الضاد من مخرج الظاء، فيقول:
((ذات يوم مر علي رجل معروف في الشام أو في دمشق أنه من القراء اسمه عبد الوهاب دبس وزيت لقب هذا ، عبد الوهاب دبس وزيت فوقف على الدكان وسلم ورآني أنا غير متوجه للعمل متوجه إلى النافذة لأنني بسطت الكتب أمامي أدرسها وأنقل منها ، فسلم علي ووجدني لا أعمل في المصلحة أعمل في شيء كتب أمامي قال لي لماذا ؟ قلت له أبحث في موضوع الضاد ، وكنت وصلت إلى أمثلة ينبه فيها ابن الجزري أو غيره لا أذكر الآن بالضبط ، بضرورة تميز الضاد عن الطاء في مثل قوله تعالى : (( فمن اضطر )). اليوم المصريون وغيرهم يقولون " فمن اطر " فكأنهم أدغموا الضاد بالطاء بينما الضاد حرف رخوة والطاء حرف استعلاء ، فأدغموا الضاد الرخوة بالطاء ، هذا خطأ فاحش ، فعجبت أنني لما أسمعته هذا المثال وقف الشيخ دبس وزيت وهو من القراء المشهورين هناك فأخذ يقرأ ويلحن ، لأنه يدغم الضاد بالطاء قلت يا أستاذ ابن الجزري يقول :
" والضاد باستطالة ومخرج *** ميز عن الظاء وكلها تجي "
أولا قال باستطالة ، الطاء ليس فيها استطالة ، لما تنطق بالطاء ساكنة تقول أط ، لكن لما تتكلم بالظاء الرخوة مش الضاد ، الرخوة الظاء تقول أظ ، الصوت يخرج من بين الثنايا ، أما الضاد فهي تشترك مع الظاء في هذه الاستطالة ولكن تتميز عنها بالمخرج لأن مخرج الضاد الصحيح هو بإلصاق حافة اللسان بالأضراس ، أما الظاء فبالثنايا ، أما الضاد الشامية والمصرية فهو بلصق رأس اللسان بسقف الحلق ، هذا خطأ ، فهو أخذ يقرأ الآية " فمن اطر " يضيق صدره ولا يستطيع أن يتلفظ بها إلا بالإدغام ، وهذا خطأ))
سلسلة الهدى والنور-373

فمن كتاب ابن الجزري نفسه نثبت أن النطق القراء للضاد هو نطق غير مطابق للضاد التي كان ينطقها ابن الجزري الذي تعود إليه أسانيد قراءاتهم. 


نقطة أخرى تثبت أن نطق القراء للضاد اليوم مخالف للضاد القديمة، وهو أن الضاد في كتب التجويد ليست من أحرف القلقلة، في حين أن الطاء هي من أحرف القلقلة مع العلم أن الطاء هي النظير المهموس للضاد الحديثة؛ فالضاد الحديثة لأنها مجهورة فإنها أولى من الطاء بالدخول في أحرف القلقلة، مثلما أن الدال داخلة في حروف القلقلة في حين أن نظيرها المهموس - حرف التاء - ليس داخلا في أحرف القلقلة.  
وبذلك نثبت ومن خلال القراءات نفسها أن هذه القراءات ظواهرها الصوتية ليست متواترة لا عن الرسول ولا عن الأئمة العشرة بل ولا حتى عن ابن الجزري. ونثبت بذلك أيضاً أن إسناد القراءات لا يعني أن كل فرد في الإسناد قد تلقى القراءة عمن سبقه بالضبط التام؛ إذ يوجد اليوم مئات الألوف ممن يقرأون القرآن بالإسناد، ومع ذلك نجد غالبية المقرئين العرب ينطقون الضاد بكيفية لا تطابق وصف سيبويه لها، فيما بعض المقرئين غير العرب ينطقون الضاد مطابقة أو شديدة الشبه في صوتها للظاء وربما تكون هذه هي الضاد الأصلية. وممن ينطقها بهذه الكيفية الشيخ الألباني. 
للمزيد حول تواتر الظواهر الصوتية (الأداء) راجع هذا البحث القيم لصالح بن سليمان الراجحي:
اختلاف القراء في صفات أداء التلاوة هل هو مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم


 وللمزيد حول قضية تواتر القراءات راجع الأبحاث التالية لنفس الكاتب:
 هل القراءات القرآنية كلها نزل بها جبريل
تواتر القراءات بين الظن والتوهم والواقع اليقين
 تحرير مسائل الاحرف السبعة





الألف المقصورة والإمالة

إن الكلمات العربية المكتوبة باليونانية والتي تعود لفترة الفتوحات في بلاد الشام قد حملت لنا مفاجأة حين تعلق الأمر بنطق الألف المقصورة؛ فالألف المقصورة "ى" في لغتنا الفصحى المعاصرة ننطقها ألفاً (فتحة طويلة)، وهي كذلك تنطق في أكثر القراءات القرآنية، ولكن في برديات فترة الفتوحات الإسلامية المكتوبة باليونانية فإن الألف المقصورة كُتبت بحرف E  أي أنها كانت تُنطق بالإمالة، ومعنى النطق بالإمالة هو أن الألف تُنطق بين الألف والياء، كما في النطق العامي اليوم للياء في كلمة "بيت" حيث تنطق bait وليس bayt
لقد ذكر الباحث أحمد الجلاد ثلاث كلمات عربية مكتوبة باليونانية وتحوي الألف المقصورة، وفي جميعها كُتبت الألف المقصورة بحرف E ، هذه الكلمات هي: مولى، يحيى، يعلى.





The Arabic of Islam, Ahmad Al-Jallad, p.431

أما في النقوش والبرديات اليونانية التي تعود لفترة ما قبل الإسلام فالألف المقصورة أيضا لم تكن تُنطق ألفاً؛ إذ يورد أحمد الجلاد كلمة مثل "السفلى" حيث تُنطق al-sufley وكذلك الحال مع "حسنى" حيث تُنطق Hosney.





Graeco-Arabica 1: The southern Levant, p.154

ولكن كتب اللغة تذكر أن قريشا لا تميل؛ يقول مختار الغوث في كتابه "لغة قريش" ص68 : ((وتتفق المصادر على أن الفتح لغة أهل الحجاز، والإمالة لغيرهم.))

ويقول غانم قدوري: ((والملاحظ بصورة عامة أن قراء العراق، خاصة في الكوفة، كانوا أكثر رواية للإمالة من قراء الحجاز، فأشهر من رويت عنهم الإمالة من القراء العشرة هم حمزة والكسائي وخلف، وهم أئمة القراءة في الكوفة، أما قراء الحجاز أمثال ابن كثير المكي وأبي جعفر ونافع المدنيين، فلا تعرف قراءاتهم الإمالة إلا نادراً. ومعنى ذلك أن اللغة السائدة في الحجاز والقراءة التي كان قراء مكة والمدينة يقرؤونها هي بصورة عامة الفتح دون الإمالة.)) رسم المصحف ص321

أقول: غياب الإمالة في معظم القراءات الحجازية وكثرتها لدى قراء الكوفة لا يصح أن يُعتبر دليلاً على غياب الإمالة في القراءة الأصلية؛ فكتب اللغة متفقة على أن قريشاً تضم هاء الغائب مطلقا، ولكن هذا الضم نادر جدا في القراءات الحجازية، بل أكثر من قرأ بها من القراء هم غير حجازيين: يعقوب البصري وحمزة الكوفي. يقول مختار الغوث: (( ولم يلتزم هذه اللغة من القراء إلا يعقوب الحضرمي، فإنه يضمها إذا كانت ضمير تثنية أو جمع، ويوافقه بعض القراء في كلمات بعينها، فحمزة يضمها في "عليهُم وإليهُم ولديهُم" في القرآن كله، وحفص يضمها في "أنسانيهُ" (الكهف/63) و"عليهُ الله" (الفتح/10)، ويضم ابن محيصن المكي كل هاء ضمير مكسورة قبلها كسرة أو ياء ساكنة إذا وقع بعدها ساكن، ويضمها ابن شهاب الزهري وسلام أبو المنذر في القرآن كله.)) لغة قريش ص154

تبقى إذاً معضلة أن سيبويه والفراء، وهما أقرب اللغويين عهداً إلى زمن عثمان وتدوينه للمصاحف، لم ينسبا الإمالة إلى قريش، وهذا يمكن تفسيره بأن القرن الذي فصل بين فتوحات بلاد الشام وبين بدء تدوين كتب اللغة، هذا القرن فقدت فيه لغة قريش الإمالة ولذلك لا نجد الإمالة مدونة في كتب اللغة كصفة من صفات لغة قريش.
ولكن كيف يحصل مثل هذا التغير خلال قرن واحد وهي فترة وجيزة؟
لقد وجدت الحل عند الباحث هيثم صدقي في إحدى تغريداته، حيث اقترح بأن الإمالة التي كانت في القراءة الأصلية هي إمالة صغرى؛ فهي تشكل المرحلة الوسطية في انتقال لغة قريش من الإمالة الكبرى إلى الفتح (الألف). وهذا يفسر كيف أن رسم المصحف يثبت وجود الإمالة في حين أن الفراء وسيبويه لم يتحدثا عن وجود إمالة في لغة قريش، فربما خلال القرن الذي فصل بينهما وبين تدوين القرآن تحولت الإمالة الصغرى في لغة قريش إلى الفتح، أو ربما أن الفراء وسيبويه في وصفهم للهجات كانا معنيين بالإمالة الكبرى فقط فهي مميزة واختلافها عن الألف واضح وصريح، أما الإمالة الصغرى فهي قريبة من الألف بل يصعب على البعض التمييز في السماع بينها وبين الألف. 


رسم المصحف يؤكد الإمالة
توجد سور كاملة في القرآن فاصلتها هي الألف المقصورة دون أن تتخللها أي فواصل مكتوبة بالألف، وكذلك السور التي فاصلتها الألف فإنه لا تتخللها فواصل بالألف المقصورة، مما يدلل على أن الألف المقصورة كان نطقها مختلفا عن الألف.
وفي قراءة ورش وحمزة والكسائي وخلف فإن السور التي فاصلتها الألف المقصورة تُقرأ فاصلتها بالإمالة.

واختلاف النطق بين الألف والألف المقصورة يبدو ظاهراً حين تلاحظ مجموعات كاملة من الآيات تنتهي بالألف المقصورة مثل: سورة الليل بأكملها، العلق من الآية 6 إلى 14، الضحى من الآية 1 إلى 8، عبس من 1 إلى 10، والأعلى بأكملها سوى الآية 16 تنتهي بـ"الدنيا"، والقيامة من 31 إلى 40، وسورة الشمس كلها فاصلتها إمالة + هاء مفتوحة + ألف (ضحىها، تلىها، جلىها...).
ولو نظرت لسورة النازعات يصبح أمر التفرقة بين الألف والألف المقصورة ظاهرا للغاية؛ فالسورة فيها أربع مجموعات مهمة من الفواصل:
المجموعة الأولى: من الآية 15 إلى 26 والفاصلة فيها هي الألف المقصورة.
المجموعة الثانية: من 27 إلى 32 الفاصلة فيها هي ألف مقصورة+هاء مفتوحة+ألف: بنىها، فسوىها، ضحىها، دحىها، مرعىها، أرسىها.
لاحظ أنه ولا مرة تأتي ألف محل الألف المقصورة قبل الهاء أو تأتي ألف مقصورة محل الألف التي بعد الهاء، وهذا يعني أن الفاصلة هي إمالة+هاء مفتوحة+ألف.
المجموعة الثالثة: من 34 إلى 41 وفاصلتها الألف المقصورة باستثناء الآية 38 حيث تنتهي بكلمة "الدنيا".
المجموعة الرابعة: من 42 إلى 46 (نهاية السورة) الفاصلة فيها ألف مقصورة + هاء مفتوحة + ألف: مرسىها، ذكرىها، منتهىها، يخشىها، ضحىها.

فهذا الفصل بين هذه  المجموعات يشير بوضوح إلى تفرقة بين نطقي الألف والألف المقصورة.

ونرى هذا الفصل أيضا في سورة المعارج حيث أن الفاصلة من الآيات 15 إلى 18 هي الألف المقصورة، وبعدها فاصلة الآيات من 19 إلى 21 هي الألف.
وفي سورة طه فإن الفاصلة من الآيات 97 إلى 115 هي الألف، وبعدها مباشرة تبدأ فاصلة الألف المقصورة وتستمر السورة على هذه الفاصلة حتى آخر السورة الآية 135، باستثناء الآية 125 حيث فاصلتها هي الألف "بصيرا".
هذا الفصل الواضح بين الآيات التي تنتهي بالألف والآيات التي تنتهي بالألف المقصورة، هذا الفصل يشير بقوة إلى أن الحرفين كانا يُنطقان بشكل مختلف في القراءة الأصلية.

أما عن الحالات التي فاصلة الإمالة فيها تُكسر بكلمة تنتهي بالألف لتعود الفاصلة بعدها إلى الإمالة، فإن أكثر هذه الحالات حصلت مع كلمة "الدنيا" حيث كَسرت هذه الكلمة فاصلة الإمالة أربع مرات:
سورة الأعلى الآية 16
سورة النازعات الآية 38
سورة النجم الآية 29
سورة طه الآية 131 فمنتصف هذه الآية هو " زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" وهذا رأس آية في جميع القراءات باستثناء القراءات الكوفية ولذلك في مصحف المدينة الشائع اليوم فإن هذا الموضع ليس رأس آية لأن مصحف المدينة هو على قراءة عاصم الكوفي. (انظر: البيان في عد آي القرآن للداني ص183 الشاملة)

إن كسر كلمة الدنيا لفاصلة الإمالة في أربع مواضع لا يمكن أن يكون مصادفة؛ بل هذا معناه أن كلمة الدنيا تُنطق ألفها بالإمالة، ومما يؤكد ذلك أن كلمة الدنيا قُرئت بالإمالة في القراءات التالية: ورش عن نافع، حمزة، الكسائي وخلف.
جاء في النشر:
((وَكَذَلِكَ يُمِيلُونَ كُلَّ أَلِفِ تَأْنِيثٍ جَاءَتْ مِنْ فَعْلَى مَفْتُوحِ الْفَاءِ، أَوْ مَضْمُومِهَا، أَوْ مَكْسُورِهَا نَحْوَ: الْمَوْتَى، وَمَرْضَى، وَالسَّلْوَى وَالتَّقْوَى، وَشَتَّى، وَطُوبَى، وَبُشْرَى، وَقُصْوَى، وَالدُّنْيَا، وَالْقُرْبَى، وَالْأُنْثَى، وَإِحْدَى، وَذِكْرَى، وَسِيمَا، وَضِيزَى.)) (النشر في القراءات العشر ج2 ص36 الشاملة)

ولكن بما أن "الدنيا" تُنطق بالإمالة لماذا كُتبت بالألف؟ يستشهد فان بوتن في بحثه بنصوص يهودية عربية مكتوبة جنباً إلى جنب مع كتابة للنطق العربي بأحرف عبرية؛ وقد جاءت كلمة الدنيا مكتوبة بالعربية بالألف، ولكن نطقها الممثل بأحرف عبرية أظهر أن الكلمة تُنطق بالإمالة! (هامش ص59)

وهذا معناه أن كتابة الكاتب لكلمة "الدنيا" بالألف لا تعني بالضرورة أنه ينطق الكلمة بلا إمالة، بل معناه أن العادة الكتابية قد جرت على كتابة كلمة الدنيا بالألف.
ونحن نعرف لماذا كُتبت "الدنيا" وبعض الكلمات الأخرى بالألف بدلا من الياء وذلك لأنها جرت على القاعدة المعمول بها في رسم المصحف وهي حذف الياء إذا اجتمعت مع ياء أخرى، كما في كلمة "النبيين" فهي في المصحف مكتوبة بياء واحدة، وهذه القاعدة لها استثناءات تتم فيها كتابة حرفي الياء جوار بعضهما.
وهذه القاعدة يُعمل بها مع حرف الواو أيضاً فيتم تجنب تكرارها ولذلك تُكتب "يستوون" بواو واحدة في رسم المصحف.
وعلى ضوء هذه القاعدة فإن الكتاب كتبوا "الدنيا" و"أحيا" و"هداي" بالألف لتجنب كتابة حرفي ياء معاً: الدنيى، أحيى، هدىي. 

المواضع الأخرى التي تم فيها كسر فاصلة الإمالة بالألف:
في سورة النجم فإن الفاصلة من الآيات 1 إلى 56 هي الإمالة، ولكنها كُسرت بالألف في المواضع التالية: 28 شيئا، 29 الدنيا، 44 أحيا.
أما "الدنيا" و"أحيا" فكلتا الكلمتين تُقرآن بالإمالة في قراءات ورش وحمزة والكسائي وخلف، وكلتا الكلمتين قد كُتبتا بالألف لتجنب اجتماع ياءين.
أما "شيئا" فقد عدها رأس آية الكوفيون فقط أما بقية القراءات فلا تعدها رأس آية وبالتالي هي لا تكسر فاصلة الإمالة في أكثر القراءات.
وهكذا لا يبقى سوى مثال واحد فقط تكون فيه الألف قد كسرت حقاً فاصلة الإمالة، وهو "بصيرا" في سورة طه/125

أما الحالات التي كانت فيها فواصل الآيات بالألف ثم جاءت وسطها رأس آية بالإمالة، فهي:
"هدى" في سورة الكهف/13
"أخرى" في سورة الطلاق/6
"أوحى لها" الزلزلة/5، حيث أن رؤوس الآيات السابقة تنتهي بـ: ألف+حرف مفتوح+هاء مفتوحة+ألف: زلزالها، أثقالها، مالها، أخبارها.

هذه الحالات الثلاث، بالإضافة إلى كلمة "بصيرا" التي كسرت فاصلة الإمالة، لا تنفي وجود اختلاف في النطق بين الحرفين، حيث أن القرآن يمزج في فواصله بين الكسرة الطويلة والضمة الطويلة فتجد آية تنتهي بـ "مؤمنون" تم تأتي بعدها آية تنتهي بـ "العالمين" لتعود الآية التي بعدها وتنتهي بـ "ون" وهكذا. والفرق بين الألف والإمالة أقل من الفرق بين الواو والياء.


ومما يثبت أن الألف المقصورة تُنطق بالإمالة هو أن هناك أربع كلمات في القرآن الأصل فيها أن تُكتب بالألف ولكنها كُتبت بالألف المقصورة كي تتناغم مع فاصلة الإمالة؛ فالأفعال دحا، طحا، سجا، وتلا، كلها الأصل فيها هي الواو لأنك حين ترد هذه الأفعال على نفسك تظهر الواو: دحوت، طحوت، سجوت، تلوت. وحين تكون الواو هي  الأصل فإن آخر الكلمة يصبح ألفاً: دحوت: دحا.  وحين تكون الياء هي الأصل تصبح آخر الكلمة ألفاً مقصورة (ى) ، وتعرف أن الياء هي الأصل حين ترد الفعل على نفسك فتظهر الياء: بنى: بنيت. بكى: بكيت. 

إن الأفعال دحا وطحا وسجا وتلا أصلها جميعاً الواو، يعني المفترض أن تُكتب بالألف، ولكنها كُتبت في القرآن بالياء لأنها جاءت في رؤوس آيات وقعت في فاصلة الإمالة:
دحا: وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَىهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَىهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَىهَا (31) (النازعات. انظر في المصحف المطبوع وليس القرآن المكتوب نصاً على الإنترنت أو البرامج حيث أن هذه  المواضع تكتب ألفات في النص الرقمي ولكن كرسي الياء موجود في النص المطبوع)

طحا: وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَىهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَىهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّىهَا (7) (الشمس. انظر في المصحف المطبوع وليس النص الرقمي)

سجا: وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) (الضحى)

تلا: وَالشَّمْسِ وَضُحَىهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَىهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّىهَا (3) (الشمس، انظر في المصحف المطبوع وليس النص الرقمي)

وكلمة تلا قد ورد أصلها الذي بالواو في القرآن: قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ (يونس/10)
مما ينفي احتمالية أن تكون هذه الكلمة أصلها الياء في لغة قريش.

ولكن بعد كل هذه الأدلة، تبقى المعضلة التالية:
هناك كلمات في القرآن كُتبت تارة بالألف وتارة بالألف المقصورة، مما قد يشير إلى أن نساخ المصاحف العثمانية ما كانوا يفرقون بين نطقي الحرفين. هذه الكلمات هي:
"هدى" كُتبت في جميع القرآن بالياء، وُكتبت بالألف في "هداي" بدلا من أتكون "هدىي".
لدى، لدا.
بسيمىهم، سيماهم.
تولى، تولاه.

أما كلمة "لدا" في الآية "لدا الباب" (يوسف/25) فالتفسير الذي يقدمه Van Putten  هو أن الإمالة في مثل هذه الحالة تصبح حركة مفتوحة لأن ما بعدها حرف ساكن، وهذا هو مذهب ورش في إمالاته، ولذلك كتبها ناسخ المصحف هنا على ما سمع فكتبها ألفا بدل الياء لأن الإمالة قد اختفت.
أما كلمة "سيماهم" فيقول فان بوتن بأن الكلمة مستعارة من كلمة يونانية هي "سيما" وبالتالي فإن الكتابة بالألف هي مطابقة للكلمة الأصل، أما الكتابة بالإمالة فهي نطق آخر مُعرّب.
أما "تولاه" فلم يجد تفسيرا لها.

ويذكر غانم قدوري مثالا آخر على مثل هذه الكلمات وهي كلمة "رأى" حيث كُتبت تارة بالياء وتارة بدونها:
((رَأَ أَيْدِيَهُمْ)) هود/70
((فَلَمَّا رَآهُ)) النمل/40
((مَا رَأَى)) النجم/11
((لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ)) النجم/18

وفي الحقيقة يمكن تفسير هذه الأمثلة بالقول بأن لغة قريش كانت حينها تنطق هذه الكلمات تارة بالإمالة وتارة بالفتح، أو أن هذه الألفات هي تغيرات دخلت المصاحف العثمانية بتأثير انتشار نطق هذه الكلمات بلا إمالة، ولكن تبقى هذه مجرد تكهنات.

لذلك فإن النتيجة النهائية هي: فواصل القرآن تثبت بشكل لا ريب فيه التفرقة في النطق بين الألف والألف المقصورة، والكلمات العربية المكتوبة باليونانية تؤكد ذلك، ولكن الأمر فيه إشكالات لا نعرف جوابها، ولكن هذه  الإشكالات لا تكفي لنفي هذه الأدلة القوية ولا تقف نداً أمامها.  
ولذلك فإن الراجح هو أن الألف المقصورة تُقرأ بالإمالة في القرآن. 
ولكن بما أن الراجح أيضاً هو أن هذه الإمالة هي إمالة صغرى، فإنني أختار القراءة بالفتح دون إمالة كما هو الحال في قراءة حفص، والسبب في ذلك هو أن معظم  العرب اليوم لا يفرقون في السماع بين الألف وبين الإمالة الصغرى، بينما التفريق بينهما كان سليقة عند قريش بحيث أن لكل صوت من هذين الصوتين حرفه المستقل في الكتابة. والتفريق بين الصوتين موجود في لغات أخرى اليوم كالهندية. وبما أننا اليوم لا نفرق بين الصوتين فلا حاجة للقراءة بالإمالة الصغرى إذ لن يلاحظ أغلب المستمعين أنني أقرأ بالإمالة.

(استدراك: بعد نقاش مع أحد المتخصصين في اللسانيات بين لي من خلال مثال من تطور اللغة الإنجليزية أنه يمكن أن يتغير صوت حرف مد خلال مئة سنة، وهذا يقلل الإشكال في عدم وصف النحاة الأوائل للغة قريش بالإمالة. وبين أيضاً أنه من المستبعد لنظام صوتي يحوي عدداً قليلاً من أحرف المد (أ، و، ي) من المستبعد أن يكون به صوت مد شديد القرب من الألف، وقال بأنه لم يسمع بأي لغة تحوي مثل هذا النظام. 
وفي رأيي فإن أهم ما يحكم لصالح قراءة الألف المقصورة بالإمالة الكاملة أنها تحقق التمييز بينها وبين الألف وهذا ما كُتب المصحف عليه وهذا ما نجد عليه فواصل القرآن؛ فنطق الألف المقصورة ألفاً سيضيع خاصية من خصائص القرآن وهي التفريق بين الألف والألف المقصورة. ولكنني لن أتبنى هذا النطق في تلاواتي القادمة لكي تكون التلاوة متوافقة مع وصف النحاة للغة قريش.)

أما إذا أردت القراءة بالإمالة فإليك كيفيتها:
كل ألف رُسمت في المصحف ياءً انطقها بالإمالة، إلا إذا جاء بعد الياء حرف ساكن، كما في الآية: " وَتَرَى الْأَرْضَ"، " مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ".
ومن هذا الباب أيضاً لا تنطق بالإمالة إذا كان على الياء تنوين لأن التنوين هي نون ساكنة، مثل: هدىً للمتقين.
وكذلك لا تقرأ الكلمات التالية بالإمالة إذ أن القراء الذي يميلون أجمعوا على عدم إمالة الكلمات التالية:
حَتَّى وَإِلَى وَعَلَى وَلَدَى وَمَا زَكَى. (النشر ج2 ص37 الشاملة)
واقرأ كلمتي "الدنيا" و "أحيا" حيث وقعتا بالإمالة؛ لأن ووقوعهما كرؤوس آيات في فاصلة الإمالة يدل على أنهما كانا ينطقان بالإمالة، ولكنهما كُتبا بالألف لكراهية اجتماع ياءين في الرسم. 
والحرفان المقطعان في بداية سورة "طه" يُقرآن بالإمالة هكذا: طى هى. وهكذا قرأها القراء المميلون.



النطق بالتفخيم لبعض الألفات
كُتبت الألف بالواو في الكلمات التالية في مصحف عثمان:
الصلاة ، الزكاة، الحياة، الربا، بالغداة، كمشكاة، النجاة، مناة.
حيث كتبت هذه الكلمات هكذا: الصلوة، ال الحيوة، الربو، بالغدوة، كشمكوة، النجوة، منوة.
وقد بين بعض الأوائل أن هذه الألفات كُتبت بالواو لأنها كانت تُفخم فيصبح صوتها شبيها بالواو. 
يقول سيبويه عن أحرف العربية: ((وتكون خمسةً وثلاثين حرفا بحروفٍ هن فروعٌ، وأصلها من التسعة والعشرين، وهي كثيرةٌ يؤخذ بها وتستحسن في قراءة القرآن والأشعار، وهي: النون الخفيفة، ... وألف التفخيم، يعنى بلغة أهل الحجاز، في قولهم: الصلاة والزكاة والحياة.)) الكتاب لسيبويه ج4 ص432 الشاملة

ويقول المهدوي (ت 440هـ) في كتابه هجاء مصاحف الأمصار ص55: ((وما كُتب بالواو، من نحو: "الصلاة" وشبهها، فهو محمول عندهم على لفظ التفخيم، لأن الألف إذا فُخمت نحي بها نحو الواو في اللفظ، فكُتبت على ذلك.)) 



ويرى الباحثان المعاصران أحمد الجلاد وفان بوتن أن هذا هو التفسير الصحيح لهذه الظاهرة.
كيفية النطق: مثل حرف O الإنجليزي، ومثل الواو في النطق العامي لكلمة "فوق".

حول تكرار الراء

حين يتم تشديد الراء كما في كلمة "الرحمن" فإن غالبية القراء اليوم لا يكررون الراء. ومن القراء الذين يكررون الراء إبراهيم الأخضر كما تراه يؤكد في هذا الفيديو على تكرار الراء:



وصْفُ النحاة الأوائل لهذا الحرف ظاهر في أن التكرار هو صفة للراء، وهذا يغنينا عن الراء غير المكررة الشائعة في القراءة اليوم خاصة أننا رأينا كيف أن القراء قد فقدوا النطق الصحيح للضاد وأفسدوا صفة القلقلة بالمبالغة فيها، وهذا يثبت أن قراءة القراء لم تحافظ على النطق العربي السليم بشكل كامل، وهكذا بالمقارنة مع وصف النحاة الأوائل يتبين أن إزالة تكرار الراء هو أيضاً من الفساد الذي دخل على نطق القراء.

يقول سيبويه (ت 180) في وصفه للأحرف:

((ومنها المكرر وهو حرفٌ شديد يجري فيه الصوت ‌لتكريره وانحرافه إلى اللام، فتجافى للصوت كالرخوة، ولو لم يكرر لم يجر الصوت فيه. وهو الراء.)) الكتاب لسيبويه ج4 ص435 الشاملة

ويقول المبرد (ت286)

((وَمِنْهَا الراءُ وَهِي ‌شَدِيدَة ‌ولكنَّها ‌حرف ‌تَرْجِيع فإِنَّما يجْرِي فِيهَا الصَّوْت لما فِيهَا من التكرير)) المقتضب ص196 الشاملة

ويقول ابن جني (ت 392)

  ((ومنها المكرر، وهو الراء، وذلك أنك إذا وقفت على ‌رأيت ‌طرف اللسان يتعثر بما فيه من التكرير،))  سر صناعة الإعراب ص77 الشاملة


حالات خاصة في قراءة الرسول
جميع هذه الحالات مستفادة من كتاب "رسم المصحف" لغانم قدوري ص425

الحالة الأولى:
اسْتَيْأَسُوا (يوسف/80) تُقرأ: اسْتَايَسُوا.
تَيْأَسُوا (يوسف/87) تُقرأ: تايَسُوا.
يَيْأَسُ (يوسف/87) تُقرأ: يايَسُ.
ومثله في "استيأس" و"ييأس" فتصبحان: استايس ويايس.
وهذه قراءة ابن كثير المكي برواية البزي من طريق أبي ربيعة، وقد نسب ابن خالويه هذه القراءة إلى أهل مكة.
والأهم أن هذه القراءة موافقة لرسم المصحف؛ فـ: تيأسوا، ييأسُ، ييأسِ، كُتبت في المصحف هكذا: ىاىـسوا، ىاىـس، ىاىـس.

الحالة الثانية:
الرؤيا، ورؤياك، ورؤياي، تُقرأ هذه الكلمات هكذا: الرُيَّا، رُيَّاك، رُيَّاي.
وهذه قراءة أبي جعفر المدني وهي الموافقة لرسم المصحف؛ حيث كُتبت الكلمات السابقة دون واو: الرىا، رىاك، رىى (رؤياي).

الحالة الثالثة:

كلمة "مَوْئلا" (الكهف/58) تُقرأ: مَوْيِلا؛ حيث خُففت الهمزة هنا بقلبها إلى ياء بدلاً من إسقاطها "مَوِلا"، وهذا ما يوافق رسم المصحف.